إنجازات الحضارة العثمانية | العثمانيون

الدولة العثمانية-العثمانيون

بدأنا هذا البحث حول نشأة الدولة العثمانية، سنتعمق في هذا الجزء من البحث عن الإنجازات الحضارية التي قدمها العثمانيون (الدولة العثمانية) للعالم.


روابط سريعة:

العلوم الإسلامية
دور الأزهر
علم الفلك
الملاحة البحرية
مجال الطب
التطعيم
العلوم التقنية
المجال العسكري
مجال الفيزياء
الطيران
أول محاولة طيران صاروخية ناجحة
علم النبات والطب والصيدلة
العلاج بالموسيقى والعطور


العثمانيون والعلوم الإسلامية

اعتمدت الدولة العثمانية المذهب الحنفي كمذهب رسمي للدولة، فاهتمت بتدريسه وجاءت معظم المؤلفات لتخدم هذا المذهب وتوج ذلك بمجلة الأحكام العدلية، وقد وضعتها لجنة من العلماء في الدولة العثمانية، وهي عبارة عن قانون مدني مستمد من الفقه على المذهب الحنفي، وتشتمل على مجموعة من أحكام المعاملات والدعاوى والبينات، وضعتها لجنة علمية مؤلفة من ديوان العدلية بالأستانة ورئاسة ناظر الديوان سنة 1286هـ، وصاغت الأحكام التي اشتملت عليها في مواد ذات أرقام متسلسلة على نمط القوانين الحديثة، ليسهل الرجوع إليها، والإحالة عليها، وجاء مجموعها في 1851 مادة، ورتبت مباحثها على الكتب والأبواب الفقهية المعروفة، ومثلت القاعدة التي بني عليها قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات في أغلب الدول العربية.

وأبرز مؤلف في تفسير القرآن الكريم (تفسير أبي السعود) المسمى إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم. لما بلغ تسويده إلى سورة ص وأمضى فترة طويلة في كتابته، بيَّضه في شهر شعبان من عام 973 هـ وأرسله للسُلطان سليمان القانوني مع صهره المولى محمد الشهير “بابن المعلول”، فقابله السلطان بحسن القبول، وزاد مرتبه اليومي، ثم بيَّضه كاملاً بعد سنة، وأرسله إلى السلطان، فقابله السلطان أيضاً بحسن القبول وزاد في مرتبه مرة أخرى. جمع أبن السعود في تفسيره هذا ما في تفسير البيضاوي، وزاد فيه من تفسير القرطبي والثعلبي والواحدي والبغوي وغيرها من التفاسير، فضلاً عن تفسير الكشاف. ووصف طاشكبري زادة التفسير بقوله: «وقد أتى فيه بما لم تسمح به الأذهان ولم تقرع به الآذان، فصدق المثل السائر، كم ترك الأول للآخر.» ويقول اللكنوي أيضاً: «وقد طالعت تفسيره وانتفعت به وهو تفسير حسن، ليس بالطويل الملل ولا بالقصير المخل، متضمن على لطائف ونكات ومشتمل على فوائد وإشارات.»

الاهتمام بالشروح والحواشي

اتَّسم عهد الدولة العثمانية بفتور الهمم عن التأليف والتدوين، واتَّجه العلماء إلى مصنَّفات السلف الصالح وتناولوها بالشرح، ثم عمدوا إلى الشرح فشرحوها، وسمُّوا ذلك حاشية، ثم إلى الحواشي فشرحوها، وسمُّوا ذلك تقريرًا، فتحصَّل عندهم متنٌ هو أصل المصنف، وشروحٌ عديدة، وكانت النتيجة أن تطرَّق الإبهام إلى المعاني الأصليَّة، واضطربت المباحث، واختلَّت التراكيب، وتعقَّدت العبارات، واختفى مراد المصنِّف.

دور الأزهر في الحفاظ على العلوم الإسلامية واللغة العربية

دخل العثمانيون مصر سنة (922هـ= 1517م)، وأضحت مصر ولايةً عثمانية، فتقلَّص هذا الازدهار العلمي؛ حيث قضى الفتح العثماني على مظاهر النشاط الفكري، حين استقطبت الدولة العثمانيَّة العلماء المصريِّين إلى إستانبول، وانتزعوا الكتب من المساجد والمدارس والمجموعات الخاصَّة ليُودِعُوها مكتبات عاصمة الدولة، ولكن الأزهر استمرَّ خلال القرون الثلاثة التي حكم العثمانيُّون فيها مصر يُجاهد لحفظ البقيَّة الباقية من اللغة العربيَّة والعلوم القرآنيَّة، وكان له الفضل على كلِّ حالٍ في الإبقاء على هذا التراث الإسلامي، لقد صار الأزهر أشهر الجوامع في التدريس على الإطلاق، وقصده طلاب العلم من كلِّ ناحية، والعلوم التي كانت تُدرَّس غالبًا بالأزهر حتى منتصف القرن التاسع هي الآداب والفقه والتوحيد؛ فالأزهر إبَّان العهد العثماني كان يحمل عبء الحفاظ على الثقافة الإسلاميَّة ونشرها طوال ثلاثة قرون، ولا سيَّما أنَّه كان قبلة العالم الإسلامي.

وهكذا استطاع الأزهر أن يُسدي إلى اللغة العربيَّة أجلَّ الخدمات، وإذا كانت مصر قد لبثت خلال العصر العثماني ملاذًا لطلاب العلوم الإسلاميَّة واللغة العربيَّة من سائر أنحاء العالم العربي والعالم الإسلامي، فأكبر الفضل في ذلك عائدٌ إلى الأزهر، وقد استطاعت مصر لحسن الطالع بفضل أزهرها أن تحمي هذا التراث نحو ثلاثة قرون حتى انقضى العصر العثماني، وقُيِّض لها أن تبدأ منذ أوائل القرن التاسع عشر حياةً جديدةً يُمازجها النور والأمل.

ولقد تميَّز العهد العثماني بالنسبة إلى الأزهر أنَّ العثمانيِّين عيَّنوا رئيسًا للمشايخ بالأزهر وأطلقوا عليه (شيخ الجامع الأزهر)، وكان يُعتبر رئيسًا للعلماء الذين يُدرِّسون في صحن الجامع الشريف، وتعيَّن تبعًا لهذا النظام -كما هو مُجْمَعٌ عليه- الشيخ محمَّد الخرشي كأوَّل شيخٍ للجامع، وكانت مهمَّته الإشراف على سير الدراسة به وإدارته.

و في هذا العهد استمرَّ الأزهر مدى القرون الثلاثة التي حكم العثمانيُّون فيها مصر، يُجاهد لحفظ البقيَّة الباقية من اللغة العربيَّة والعلوم القرآنيَّة التي أصبحت في حالة ذبولٍ أو شبه جفاف، وكان له الفضل على كلِّ حالٍ في الإبقاء على ما بقي من التراث الإسلامي، لقد صار الأزهر أشهر الجوامع في التدريس على الإطلاق، وقصده طلاب العلم من كلِّ ناحيةٍ حتى تركستان والهند وزيلع وسنار، ولكلِّ طائفةٍ منهم رواق باسمهم كرواق الشوام أو المغاربة أو العجم أو الزيالعة أو اليمنيَّة أو الهنديَّة فضلًا عن أروقة الصعيد، وبلغ عدد تلاميذ الأزهر في أوائل القرن التاسع للهجرة أي نحو (818هـ) 750 طالبًا من طوائف مختلفة، وكانوا مقيمين في الجامع ومعهم صناديقهم وخزائنهم يتعلَّمون فيه الفقه والحديث والنحو والمنطق، وزادوا في عصر العثمانيِّين على ذلك زيادةً كبيرة، وفي كتاب التعليم العام في مصر ما يُفيد أنَّ العلوم التي كانت تُدرَّس غالبًا بالأزهر حتى منتصف القرن (التاسع الهجري= الخامس عشر الميلادي) هي الآداب والفقه والتوحيد، وكانت تُدرَّس أحيانًا بصفةٍ استثنائيَّةٍ علومُ الفلك، والعلوم الرياضيَّة، والعلوم الطبيعيَّة والتجريبيَّة، إجمالًا.

العثمانيون وعلم الفلك

التطور الكبير الذي شهده علم الفلك من الناحية النظرية والعملية في عهد الدولة العثمانية كان فارقا، خاصة مع إنشاء مرصد توبهاني، والذي يعتبر المرصد الفلكي الرسمي الخاص بالدولة العثمانية والذي تم إنشاؤه في القرن الرابع عشر في عهد السلطان مراد الثالث. وكان يترأس هذا المرصد عالم الفلك الشهير تقي الدين الشامي الذي له أكثر من ثلاثين مؤلفا في علوم الفلك والطب والرياضيات. ومن أشهر الإنجازات التي قام بها هذا المرصد، إعداد التقويم السنوي، وتحديد مواقيت الصلاة والصيام، ووصف التغيرات الفلكية كحركة الشمس والقمر وغيرها، ومع إضافة الاكتشافات الفلكية في العهد العثماني مع المعارف اليونانية والرومانية السابقة تم بذلك وضع حجر الأساس الذي انطلق منه علم الفلك الحديث، ومن أشهر علماء الفلك والرياضيات في العهد العثماني. علي بن محمد المعروف ب “علي كوشجو”، وُلِد في سمرقند، وهي مدينة في أوزبكستان، وتوفي في عام 1474م ومن أشهر ابتكاراته رسم القمر لأول مرة في التاريخ، وقياس خطوط الطول والعرض لإسطنبول. وكان أهم كتبه عن علم الفلك، وسُمّي بـ”الفتحية”، كما اخترع العديد من الساعات الشمسية.

الملاحة البحرية

نبغ في العهد العثماني العديد من الرحالة والمستكشفين الذين أضافوا الكثير لعلم الجغرافيا والملاحة البحرية، ومن أهمهم المستكشف العظيم أحمد محيي الدين بيري المعروف باسم بيري ريس والذي كانت له إنجازات خالدة في هذا المجال، حيث رسم الخرائط الجغرافية بدقة متناهية بالمقارنة مع الأدوات المتوفرة في ذلك الوقت، وقد رسم خريطة اسبانيا وشرق أفريقيا والمحيط الأطلسي، وهو أول من رسم خريطة أمريكا و ساحلها الشمالي وشبه جزيرة فلوريدا ليسبق بذلك كريستوفر كولومبوس الذي يقال أنه مكتشف أمريكا، وهذه الخريطة اكتشفها المستشرق الألماني Kahle عندما عثر عليها في مكتبة (توب كابي سراي) بإستانبول، ونشرها على العالم سنة 1929م، بعد تحقيق علمي دُولي استمرَّ عدَّة سنوات؛ فقد أذهلت هذه الخريطة العالم كله وحيَّرت العلماء، وهي في الواقع أكثر من خريطة مفردة؛ فهي تُبيِّن المحيط الأطلسي؛ في الشرق ترى إسبانيا والساحل الإفريقي, وفي الغرب ترى القارة الأمريكية بسواحلها، وجزرها، وموانيها، وحيواناتها، وسكانها الهنود الحمر، الذين يرسمهم عُرَاة وهم يرعَوْن الغنم.

وفي 26 أغسطس سنة 1956م عُقِدَت في جامعة جورج تاون بالولايات المتحدة الأمريكية ندوة إذاعية عن خرائط البيري ريس، اتَّفق كلُّ الجغرافيين فيها بأن خرائط البيري ريس لأمريكا: “اكتشاف خارق للعادة”.

وإن أعجب ما في خرائط بيري ريس أنها عادت لتَشغل العلماء بعد عصر رحلات الفضاء وتصوير الأرض من الأقمار الصناعية، فقد كان الاعتقاد الأوَّل لدى علماء الخرائط في أمريكا وأوروبا في القرن العشرين أن الخرائط غير دقيقة, وبها أخطاء في الرسم حسب أحدث معلوماتهم عن الشاطئ الأمريكي, ولكنهم فوجئوا بعد ظهور أوَّل صورة مأخوذة من القمر الصناعي لهذه المناطق أن خرائط محيي الدين الريس أدقُّ مِن كل ما عرَفوه وتصوَّروه, وأنها تُطابق تمامًا صور القمر الصناعي, وأن معلوماتهم هي التي كانت خاطئة.

وعلى إثر ذلك عكف فريق من العلماء في وكالة الفضاء الأمريكية على إعادة دراسة الخرائط مُقَطَّعة بعد تكبيرها عدَّة مرَّات، فكانت المفاجأة الثانية، وهي أن الريس قد وضع في خرائطه القارة السادسة في القطب الجنوبي والمسمَّاة Antartica قبل اكتشافها بأكثر من قرنين، كما أنه وصف جبالها ووديانها التي لم تُكتشف حتى سنة 1952م.

مجال الطب

اهتمام الدولة العثمانية بالعلوم الطبية والمداواة كان واضحا منذ البداية حيث تم تدريسه مبكرا في الجامعات العثمانية، وتم إنشاء مشفى تدريبي للطلبة لتطوير مهاراتهم العملية إلى جانب التعليم النظري. وقد كان للدولة العثمانية السبق في مجال الصحة العقلية والنفسية حيث تم تأسيس أول مشفى مهتم بعلاج المرضى من هذه الفئات عام 1488 باسم دار الشفاء في مدينة أدرنة وهو تطور كبير في ذلك الوقت الذي كان يتم فيه تجاهل كبير لهذه الأمراض في العالم، وابتكر العثمانيون وسائل علاجية أثبتت فاعليتها مثل استخدام الموسيقى والزهور والمواد العطرية في تخفيف التوتر وتحسين مزاج المرضى وهو ما تنبه العلم الحديث لأثره متأخرا.

وكان شرف الدين سابونكوغلو مؤلف سيراهي تواي-هنية (الجراحة الإمبراطورية)، أول أطلس جراحية مصورة، و موسيربنام (على العداء كان سيراهيييتو-هاني (الجراحة الإمبراطورية) أول أطلس جراحي وآخر الموسوعة الطبية الرئيسية من العالم الإسلامي على الرغم من أن عمله كان يستند إلى حد كبير على الطاسريف أبو القاسم الزهراوي،و قدم سابونكوغلو العديد من الابتكارات من تلقاء نفسه. كما تم تصوير الجراحين لأول مرة في سيرهيييتو-هاني.

العثمانيون والتطعيم

التطعيم التدريجي والمجاني ضد الأوبئة -لقاح الجدري نموذجا-

تكشف وثائق تاريخية تبني الدولة العثمانية تطبيقات تعتمد على “التطعيم التدريجي والمجاني” ضد الأوبئة، بطريقة تتشابه كثيرا مع التطبيقات العالمية المتبعة حاليا لمكافحة فيروس كورونا. وتسلط الوثائق التاريخية المحفوظة لدى أرشيف الدولة في الجمهورية التركية، الضوء على الطرق والأساليب التي اتبعتها الدولة العثمانية في مكافحة الأمراض الوبائية وتطبيق اللقاحات.

وبحسب المعلومات الواردة في الوثائق، فقد تمت مواجهة العديد من الأمراض الوبائية في العهد العثماني من خلال إجراء عمليات تطعيم تدريجي ومجاني. كما أجريت دراسات لفهم الأوبئة ومكافحة الأمراض الوبائية بأفضل الطرق المتاحة في تلك الفترة. وشهد العهد العثماني متابعة لعمليات التطعيم في الدول الأجنبية وإنشاء مراكز عرفت باسم “تلقيح خانه لر” أي مراكز التطعيم، ومراكز أخرى لدراسة علم الجراثيم. ووفق الوثائق فإن الدولة العثمانية كانت تسارع عند تفشي وباء في أي ولاية أو تجمع بشري، لإرسال الأطباء والموظفين الصحيين والمواد الطبية واللقاحات على وجه السرعة إلى المنطقة المتضررة، تزامنا مع إصدار لوائح تطبيقية لإجراء التطعيم.

ظهرت أولى عمليات التطعيم خلال مكافحة انتشار مرض الجدري، حيث نشرت الدولة العثمانية عام 1885، تعميمات للمراكز الصحية من أجل بدء التطعيم ضد الجدري. كان الجدري يعتبر من الأمراض الوبائية الخطيرة في تلك الفترة، حيث جرى تطوير لوائح التطعيم بإضافة مجموعة من التطبيقات ما بين أعوام 1894 و1915. وبموجب تلك اللوائح، كان إلزاميا على جميع التلاميذ، الذين ليس لديهم أي أعراض للمرض في المدارس الخاصة والعامة، ذكورا وإناثا، أن يحصلوا على التطعيم ضد الجدري. كما اشترطت اللوائح تطعيم الأطفال الراغبين في دخول أي من المدارس العامة أو الخاصة، والحصول على شهادة تطعيم، وفق ما ورد في الوثائق التاريخية. وكشفت الوثائق، أن اللوائح نصت على أن تنظيم شهادات التطعيم في الدولة العثمانية يندرج ضمن مسؤوليات “الدائرة الطبية المدنية”. الدائرة بدورها، حرصت على إعطاء اللقاح من قبل الأطباء في المراكز الصحية الحكومية، التي تقوم من جانبها بتقييد أسماء الأشخاص المطعمين وتنظيم شهادات تؤكد تلقيهم اللقاحات.

التطعيم شرط للتوظيف في القطاعات الحكومية

وشددت اللوائح المنشورة من جانب الدولة، على ضرورة أن يكون المتقدمون للحصول على وظائف حكومية ووظائف في الخدمات المدنية قد تلقوا اللقاحات اللازمة، والمنصوص عليها في اللوائح.

وأشارت الوثائق إلى أن الدائرة الطبية المدنية شددت من خلال اللوائح على ضرورة تطعيم الأطفال حديثي الولادة في غضون ستة أشهر.

وأيضا تكرار عملية التطعيم كل خمس سنوات بصورة مجانية، كما اشترطت اللائحة أن يتم تطعيم جميع المواطنين ثلاث مرات على الأقل حتى سن 19 عاما.

كما لفتت اللوائح إلى تولي البلديات في المدن والبلدات إنشاء مراكز بهدف تطعيم جميع السكان مجانا، بشكل دوري وخلال حملات مكافحة الأوبئة، فيما يجري إرسال أخصائيي التطعيم من تلك المراكز إلى القرى بإشراف من السلطات المحلية.

استراتيجية التطعيم الحالية تتشابه مع التطبيقات العثمانية

وقال مدير رئاسة أرشيف الدولة بتركيا، أوغور أونال، للأناضول، إن استراتيجية التطعيم المتبعة حاليا لمكافحة تفشي فيروس كورونا، تحمل أوجه تشابه كبيرة مع التطبيقات التي نفذتها الدولة العثمانية. وذكر أونال أن أهم إجراء تم اتخاذه من قبل الدولة العثمانية في مجال مكافحة الأوبئة، التي تسببت في وفيات كبيرة عبر تاريخ البشرية، هو توفير التطعيم من أجل القضاء على أسباب الأمراض.

وأردف:

“عندما يتم التدقيق في اللوائح الصادرة خلال العهد العثماني بشأن مكافحة مرض الجدري في ولايات الدولة، يُلاحظ أن كل طفل ولد خلال ذلك العهد، جرى تطعيمه مجانا بجرعتين ضد الجدري خلال الأشهر الستة الأولى بعد الولادة”.

وأفاد بأن الأوساط الطبية والأكاديمية في الدولة العثمانية، عملت على إجراء دراسات محلية على الأوبئة، ومتابعة الدراسات في الدول الأجنبية، وطلب المساعدة من الأطباء والخبراء الأجانب عند الضرورة، خلال افتتاح مراكز التطعيم في مختلف ولايات الدولة.

العثمانيون والعلوم التقنية

في عام 1551، اخترع تقي الدين أول محرك دافع للبخار، ووصف أول التطبيقات العملية لتوربينات البخار كمحرك رئيسي لتدوير الرذاذ قبل جوفينا برانكا محرك دافع للبخار من 1629. وصف تقي الدين اختراعه في كتابه الطرق الصناعية في الآلات الروحية، الذي اكتمل في عام 1551م (959 هـ). في عام 1559، اخترع تقي الدين ستة اسطوانات مضخة مونوبلوكانت (آلة لضخ المياه تعمل بالهيدروجين تضم صمامات، وأنابيب شفط وتوصيل، وقضبان مكبس مع أوزان الرصاص، ورافعات تروس ذات مفاصل دبوس، وكاميرات على محور عجلة سكوب مدفوعة بالماء. كما يمكن لمضخة “مونوبلوك” أن تخلق فراغا جزئيا، تم تشكيله “حيث يتحرك وزن الرصاص صعودا، فإنه يسحب المكبس معه، ويخلق فراغا يمتص الماء من خلال صمام كلاك غير عودة إلى أسطوانة المكبس).

الساعة الميكانيكية

اخترع المهندس العثماني تقي الدين ساعة فلكية ميكانيكية قادرة على توجيه إنذار في أي وقت يحدده المستخدم. ووصف على مدار الساعة في كتابه “النجوم المضيئة لبناء الساعات الميكانيكية” الذي نشر في عام 1559. وعلى غرار ساعات المنبه الأوروبية في القرن الخامس عشر، ساعته قادرة على السبر في وقت محدد، يتحقق عن طريق وضع ربط على عجلة الطلب. وفي الوقت المطلوب، قام الوتد بتنشيط جهاز رنين. كان لهذه الساعة ثلاثة أقراص أظهرت الساعات والدرجات والدقائق.

ثم صمم تقي الدين في وقت لاحق ساعة مراقبة للمساعدة في الرصد في مرصد إسطنبول (1577-1580). في مقالته في شجرة نبك من أقصى درجة من الأفكار، كتب: “لقد شيدنا ساعة ميكانيكية مع ثلاثة من الاشياء التي تظهر الساعات والدقائق والثواني، وقسمنا كل دقيقة إلى خمس ثوان”. كان هذا مهما والابتكار في علم الفلك العملي في القرن السادس عشر، كما في بداية ساعات القرن لم تكن دقيقة بما فيه الكفاية لاستخدامها لأغراض فلكية.

العثمانيون والمجال العسكري

استخدم الفيلق جانيساري الشهير للجيش العثماني موسكيتس ماتشلوك في وقت مبكر من 1440. كان المهندس المعماري الرئيسي لحديقة المدفعية العثمانية في حصار القسطنطينية المهندس الهنغاري أوربان والذي عرض في وقت سابق خدماته للإمبراطورية البيزنطية الإمبراطور قسطنطين الحادي عشر.

الفرقة الموسيقية والفرقة العسكرية لها أصولها في الفرقة العسكرية العثمانية، التي يؤديها الجنيساري منذ القرن السادس عشر.

مجال الفيزياء

في عام 1574، كتب تقي الدين (1526-1585) آخر عمل عربي كبير في مجال البصريات، بعنوان كتاب نور هبة إبسار ونور هقيقات الأنصار (كتاب النور من تلميذ الرؤية وضوء الحقيقة للمشاهد)، الذي يحتوي على التحقيقات التجريبية في ثلاث مجلدات في الرؤية، وهي انعكاس الضوء وانكسار الضوء. يتناول الكتاب بنية الضوء وانتشاره والانكسار العالمي، والعلاقة بين الضوء واللون. المجلد الثاني وفر دليل تجريبي على انعكاس البراق غير المقصود وكذالك الضوء الأساسي و صياغة كاملة لقوانين الانعكاس، ووصف لبناء واستخدام أداة النحاس لقياس انعكاسات من السطح الكروي والاسطواني والمرايا المخروطية، سواء كانت محدبة أو مقعرة “. أما المجلد الثالث، فيحلل المسألة المهمة لاختلاف تحمل الضوء أثناء السفر في وسائط ذات كثافة مختلفة، أي طبيعة انكسار الضوء وتشكيل الانكسار وطبيعة الصور التي شكلها انكسار الضوء والتي على شكل انكسار ضوء، ،وهذا ما يفسر التطور الكبير لعلم البصريات في تلك الفترة، والذي شكل الأساس العلمي لعمل الكاميرات الحديثة اليوم.

العثمانيون والطيران

هزارفين أحمد جلبي ولد احمد  1609 في مدينة اسطنبول، تدرب على الطيران فوق منبر أوكميداني ثماني أو تسع مرات بأجنحة النسر ، مستخدمًا قوة الرياح. بعد ذلك، بينما كان السلطان مراد خان (مراد الرابع) يشاهد من قصر سنان باشا في سارايبورنو، طار من أعلى برج غلطة (في كاراكوي المعاصرة) وهبط في ميدان دوغانجيلار في أوسكودار، بمساعدة الرياح الغربية. منحه السلطان مراد الرابع كيسًا من العملات الذهبية ، وقال: “هذا رجل مخيف. قادر على فعل ما يشاء، ولا يصح الاحتفاظ بهؤلاء الأشخاص، فأرسله إلى الجزائر في المنفى، ومات فيها عام 1640.

أول محاولة طيران صاروخية ناجحة

حسن جلبي الملقب بـ “لاگري” أو “لاگاري” هو واضع اللبنة الأولى لعلم الصواريخ الصاعدة للفضاء، وهو أول إنسان في التاريخ استقل صاروخًا ليصعد به إلى السماء.

سجل الرحالة العثماني الشهير “أوليا جلبي” في كتابه الضخم “سياحت نامه”، أن “حسن جلبي” قام أثناء الاحتفالات بولادة الأميرة “قايا” بنت السلطان “مراد الرابع” بحشو البارود بوزن 50 أوقية تقريبًا بداخل صاروخ بطول سبع أذرع، ثم ركب هذا الصاروخ وقام أحد مساعديه بإشعال فتيل الصاروخ، حيث نجح بالطيران به إلى أعلى لمسافة معينة، وعندما انتهى بارود الصاروخ، قام بنشر أجنحة كان قد هيأها من قبل حيث نزل على البحر قرب ساحل القصر السلطاني.

وقد كافأه السلطان مراد وأنعم عليه وسجله ضمن صنف “السباهي” في الجيش الانكشاري. ثم سافر بعد ذلك حسن إلى القرم واستقر بها إلى أن توفي هناك.

يصور “أوليا جلبي” هذه الحادثة في كتابه كما يلي: “في مساء ولادة بنت السلطان مراد الرابع الأميرة ‘قايا’، أقيمت أفراح ذبح أضحية العقيقة، وكان “حسن لاگري” قد اخترع قذيفة ذات سبعة أذرع تحتوي على خمسين أوقية من معجون البارود، وقام من داخل قصر السلطان في سراي بورنو وأمام السلطان بركوب هذه القذيفة، ثم أشعل معاونوه فتيلة القذيفة، وقبيل طيرانه نحو السماء، خاطب السلطان قائلاً له: يا مولاي! أستودعك الله، أنا ذاهب للتحدث مع عيسى عليه السلام.

ثم انطلق إلى السماء، ثم أشعل القذائف الأخرى التي كانت معه فنشر الأنوار في السماء، وبعد نفاد البارود بدأت القذيفة بالتوجه نحو الأرض، وهنا نشر أجنحة النسر التي كانت معه، ونزل على البحر قرب قصر سنان باشا، ثم أتى إلى حضرة السلطان وقال له مازحًا: مولاي! إنَّ عيسى عليه السلام يسلم عليك، وقد أنعم السلطان عليه بكيس من الذهب كما سجله سباهيا براتب قدره 70 أقجة.

وقد ذكر العالِم النرويجي موريتز روفافيك مدير متحف النرويج للطيران في حديث له مع جريدة Weekly World News بتاريخ 15 ديسمبر 1998 أن أول محاولة لرجل للصعود للفضاء كان لرجل تركي استقل صاروخ وطار عن سطح الأرض مسافة 900 قدم -أي ما يزيد عن 275 متر تقريبا-. وقد أضاف “موريتز” بأن الصاروخ تكون من جزئين، الجزء الأسفل هو قاعدة تم فيها تركيب 6 صواريخ صغيرة كي ينطلق الصاروخ إلى السماء، أما الجزء الثاني فهو الجزء الذي يُدفع إلى الأعلى بواسطة الصواريخ الستة السابقة.

علم النبات والطب والصيدلة

اهتم الشيخ آق شمس الدين، في القرن الخامس عشر، اهتماما خاصا باﻷمراض المعدية. ووضع قبل ظهور الميكروسكوب تعريف الميكروب قائلا: “من الخطأ تصور أن اﻷمراض قد تظهر ثلقائيا، فاﻷمراض تنتقل من شخص إلى آخر بطريق العدوى، هذه العدوى صغيرة ودقيقة إلى درجة عدم القدرة على رؤيتها بالعين المجردة، لكن هذا يحدث بواسطة بذور حية”.

بعد ذلك بأربعة قرون، جاء الكيميائي والبيولوجي الفرنسي لويس باستور ليقوم بأبحاثه ويصل إلى النتيجة نفسها. وكان الشيخ آق شمس الدين عالما في النباتات، ومدى مناسبتها للعلاج من اﻷمراض، وبلغت شهرته في ذلك أن صار مثلا بين الناس، فيقول المثل العثماني: “إن النبات يتحدّث إلى آق شمس الدين”.

كما اعتنى أيضا باﻷمراض البدنية قدر عنايته باﻷمراض الروحية، أو ما يطلق عليه اليوم اسم اﻷمراض النفسية. واشتهر بلقب “طبيب اﻷرواح” أي طبيب اﻷمراض النفسية. واهتم الشيخ آق شمس الدين أيضا بالسرطان، وكتب عنه. وألّف كتابين في الطب هما: “مادة الحياة” و”كتاب الطب”.

ولد الشيخ آق شمس الدين في دمشق عام 1389، ودرّس السلطان الفاتح في صغره عدة علوم، منها القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه والعلوم اﻹسلامية، باﻹضافة إلى اللغات العربية والفارسية والتركية، وكذلك درّسه العلوم مثل الرياضيات والفلك والتاريخ والحرب. وبثّ فيه قول “لتفتحن القسطنطينية، فلنعم اﻷمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش”.

أسهم العثمانيون خلال مدة حكمهم الممتدة لستمئة عام تقريبا، في تطوير العلوم باعتمادهم على معارف سابقة وحرصهم على البحث والتطوير، كما أثروا وتأثروا في الطابع اﻷوروبي بسبب حركات الترجمة المتبادلة والبعثات التعليمية.

العلاج بالموسيقى والعطور

ذكر تقرير لصحيفة ديلي صباح التركية أن اﻷطباء العثمانيين قبل أكثر من 500 عام، ابتكروا علاجا لذوي اﻷمراض العقلية والنفسية باستخدام الموسيقى والعطور الطيبة والمعاملة الحسنة، وهي الطريقة التي ينصح بها الطب الحديث.

وخلال أعمال الترميم لمشفى اﻷمراض النفسية والعقلية “دار الشفاء” كما يسميها اﻷتراك، في مجمع السلطان العثماني بايزيد الثاني في مدينة أدرنة شمال غربي تركيا، عثر خبراء اﻵثار على رسومات عمرها 500 سنة تعود لمرضى عقليين.

ويلاحظ أن الرسومات الموجودة على الأحجار تكشف عن أحلام ومشاعر المرضى في تلك الفترة، وهي عبارة عن طيور ذات ألوان جميلة كالطاووس، وحيوانات مثل الغزلان، ورسوم أخرى مثل القلاع والزوارق البحرية.

يعود تاريخ تأسيس هذه المشفى إلى عام 1488، وهي دليل على اهتمام الدولة العثمانية بالمجال الطبي، الذي عالجت فيه مرضى عن طريق أصوات المياه واﻹيقاعات الموسيقية والعطور، اﻷمر الذي بعث في نفوسهم الهدوء والاستقرار النفسي.

وفي حوار خاص لوكالة اﻷناضول، مع مدير المتحف الصحي بايزيد الثاني، هاقان أقينجي، قال إن “اﻵﻻف من السائحين واﻷجاتب لا يغادرون مدينة أدرنة دون زيارة مستشفى اﻷمراض العقلية والنفسية بالمجمع”.

وأكد أنهم “يشعرون بالانبهار عندما يرون كيف استخدم العثمانيون الموسيقى والعطور قبل قرون عديدة كعلاج فعال في هذا المجال”.

وتابع أقينجي قائلا: “في عام 2004 منح المجلس الأوروبي، مجمعنا جائزة “المتاحف اﻷوروبية”، نظرا للدور المهم الذي لعبه في هذه الفترة”. مشيرا إلى أن اﻷطباء استخدموا الموسيقى كعلاج في وقت كانت أوروبا تعامل مرضاها العقليين فيه بتعسف وقسوة.

وأوضح أقينجي: “كان المرضى بالمستشفى، يخرجون إلى الحديقة للترويح عن أنفسهم واستنشاق هواء منعش في أوقات معينة، وفي أثناء ذلك حفروا أحلامهم وما بداخلهم من مشاعر على ما صادفوه من أجسام صلبة وجدران”.

….

تابع قراءة الجزء الثالث من البحث: التهديدات الداخلية والخارجية

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *