قال تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217]، ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120]، ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ [النساء: 89]، ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [البقرة: 109].

الإسلام خاتم الأديان ومستقبل البشرية

فرغم المحن، ومظاهر الضعف والانكسار؛ إلا أن المسلم يثق بوعد الله بحفظ دينه دين الإسلام وعلوّه فهو خاتم الأديان السماوية.

حال المسلمين اليوم

ابتداء ينبغي أن نفرق بين الإسلام كدين خاتم تعهد الله بحفظه وظهوره على الدين كله، وبين المسلمين الذين يؤمنون بهذا الدين، ويحاولون تطبيق مبادئه، فيعتريهم ما يعتري البشر من نجاح وإخفاق.

عند متابعة ما يكتب في وسائل التواصل الاجتماعي، وما يؤلفه بعض من ينتسب للاسلام، والبرامج التلفزيونية وغيرها يتبين ما يلي:

• الانبهار بالحضارة الغربية المعاصرة، والتي سيطرت لفترات طويلة على معظم بلاد المسلمين، ولأن المغلوب مولع بتقليد الغالب، كما يقول ابن خلدون، فقد أحدث هذا ارباكا ثقافيا تمثل في هزيمة نفسية حضارية أدت إلى حب تقليد أصحاب هذه الحضارة في الشكل والملبس والمأكل وغير ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه (رواه البخاري ومسلم).
• تحميل المثقفين والدعاة سبب التخلف الاقتصادي والعلمي والحضاري مما يسبب ردة فعل غاضبة لدى فئات الشباب خاصة تجعلهم يعبرون عن غضبهم بالابتعاد عن التمسك بأخلاقيات وعادات المجتمع التي تأسست على الاسلام.  
• تمكن الاستعمار الغربي من غزو عقول كثير من الشباب والمثقفين؛ حيث تمكن من اقناعهم بأن تراث المسلمين هو السبب في تخلف العرب والمسلمين الآن، وللتمكن من مجاراة الحضارة الغربية فلا بد من هجر هذا التراث الاسلامي. 
• ضعف الالتزام الديني وانتشار المغريات التي تتمثل بالأغاني والفن الهابط، وقد تمكن الاعلام من جعل الفنانين والممثلين والمغنين وكل ما يتعلق بالفن الهابط أمثلة تحتذى، ويكفي أن تشاهد ردة فعل الشباب من الذكور والإناث لدى مصادفتهم ممثلا أو مغنيا مشهورا.
• الفشل في تحقيق نجاحات تذكر على مستوى البلاد سواء توفير فرص العمل الملائمة، أو البيئة العلمية المشجعة على الابداع والابتكار، مما حدى بالشباب إلى التفكير الدائم بالهجرة إلى بلاد الغرب لتحقيق النجاح العلمي والاقتصادي، وللأسف أن كثيرا من هؤلاء يحققون نجاحات تعزز فكرة الهجرة وأنه لا فائدة ممكنة لإصلاح في بلاد العرب والمسلمين.
• مع ضعف الوازع الديني، وتحول أسلوب التدريس المواد الدينية والأخلاقية في المدارس إلى تلقين وتحفيظ للحصول على العلامات للنجاح فقط، وليس للتطبيق والاقتداء، فأصبح الشباب مهيئين لأي غزو ثقافي يشكك في أصول الاسلام.
• تمكن الإعلام من فن هابط وغيره من رسم صورة سلبية لشيوخ الدين والمربين ويكفي ما عززته الأفلام من أن دور علماء الدين فقط للجنائز وتوثيق عقود الزواج، ويكفي ما سببته مسرحية مدرسة المشاغبين مثلا بانتشار الاستهزاء بالمعلم والمؤسسة التعليمية.
• استطاع الاعلام على مدى عشرات السنين من إبراز صورة المرأة غير المحجبة، والرجل غير الملتزم كنماذج للنجاح والتفوق، فلا تجد عملا فنيا إلا ويعزز هذه الصورة، بل ولا تجد دعاية تلفزيونية إلا وتؤكد ذلك، وعلى سبيل المثال لم تجد الحملة ضد تعنيف المرأة والتحرش بها غير صور المحجبات؛ لتعزيز هذه الرسالة السلبية عن المرأة المحجبة.
• سهولة الوصول إلى أماكن المعاصي كدور السينما والتلفزيون والمواقع الاباحية، وكلها شهوات حفت بها النار، بل ورغم جائحة كورونا يسمح لحفلات الفنانين، ويسمح باختلاط الرجال والنساء، ويكرم رموز الفن الهابط، ويرحب بهم ويفرش لهم السجاد الأحمر ويمنحون الهدايا والعطايا، في حين يفرض التباعد على المصلين في المساجد.

هل الإسلام سبب تخلف المسلمين والعرب اليوم: 

رغم وجود حضارات كونها العرب قبل الإسلام كمملكة سبأ وحمير ومعين والحيرة والأنباط والغساسنة، إلا أنها حضارات فقيرة من الناحية الفكرية والثقافية والعلمية، فلم تترك لنا موروثا ثقافيا سطر في الكتب مثلا باستثناء ما وصلنا شفويا من الشعر والأمثال، والتي جمعها الشعراء والأدباء والمؤرخون في عصر الإسلام، ووصلت لنا كمؤلفات مكتوبة وموثقة.

اقرأ أيضًا: تطبيق الإسلام سبب عودة المسلمين للوراء؟!

ولم يعرف العرب حضارة حقيقية سادت لقرون، وعلى مساحات ملايين الكيلومترات، وحكمت شعوبا بلغات وأديان مختلفة إلا في العصور الاسلامية منذ العهد النبوي حتى سقوط الخلافة العثمانية وقد تميزت بما يلي:

• قيام دول تطبق أحكام الإسلام في كل مناحي الحياة الدينية والاقتصادية والاجتماعية والترفيهية.
• مثلت اللغة العربية الرابط اللغوي باعتبارها لغة الفاتحين العرب ولغة القرآن الكريم، وقبلت بها الشعوب غير العربية بل وتسابقت في تعلمها وحمل لوائها علماء بارزون مثل واضع علم النحو سيبويه الفارسي، والكسائي الفارسي اصلا القارىء النحوي.
• انصهرت الشعوب العربية وغير العربية في بوتقة الإسلام، وأسسوا حضارة تقوم على الدين والعلم وليس الخرافات والأساطير، وتسابق الجميع في خدمة علوم الدين والدنيا، فلم يكن العرب المسلمون عنصريون يتعاملون باستعلاء مع الشعوب غير العربية، فلم يمضي قرنين من ظهور الاسلام ودخول الناس في دين الله أفواجا حتى تمكن الفرس والترك والكرد من السيطرة على مقاليد الحكم في الدولة الإسلامية.
• مر على أمة الاسلام أكثر من 100 سنة منذ أن سيطر العلمانيون على مقاليد الحكم فما زاد العرب والمسلمون إلا تخلفا، ولم ينجحوا حتى في الرياضة، ولا يسجل نجاحا إلا في الفن الهابط فقط.

الإسلام تراث وحاضر: 

يظن بعض المسلمين أن الاسلام تراث قديم جميل، يجب التعامل معه، كمثل الحضارات العربية التي زالت وبادت، بيد أن واقع الحال، ورغم مرور أكثر من 100 سنة على الغاء الخلافة الاسلامية العثمانية التي مثلت رابطا دينيا وسياسيا للشعوب العربية والمسلمة يؤكد الحقائق التالية:

• لا يمكن فصل الإسلام عن حياة الشعوب المسلمة، فقد شكل ثقافتها، وأخلاقها وعاداتها وتقاليدها خلال 1400 ، فهل يمكن أن يتزوج المسلم أو يموت إلا وفقا لأحكام الإسلام.
• الاسلام محفوظ بحفظ الله سبحانه فأصوله القرآن والسنة والفقه تمثل المرجعيات المستقرة لجميع شؤون الدولة وعلاقتها بالشعب الذي تحكمه مسلمين عربا وغير عرب وغير مسلمين، وفيه ما يؤسس للعلاقات الدولية المبنية على المصالح المشتركة وفق منظومة الإسلام الحضارية.
• مثلت العصور الاسلامية أزهى وانصع فترات العرب والمسلمين، وأكدت تجربة تنحية الإسلام وعلمائه عن شؤون الحكم والدولة الانحدار المستمر حتى صارت البلاد العربية والاسلامية في ذيل الدول في جميع المجالات.
• فور هجرة النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إلى المدينة المنورة كتب دستورًا تاريخيًا، هو دستور المدينة، وقد أطنب فيه المؤرخون والمستشرقون على مدار التاريخ الإسلامي، واعتبره الكثيرون مفخرة من مفاخر الحضارة الإسلامية، ومَعلَمًا من معالم مجدها الإنساني.. إن هذا الدستور يهدف بالأساس إلى تنظيم العلاقة بين جميع طوائف وجماعات المدينة، وعلى رأسها المهاجرين والأنصار والفصائل اليهودية وغيرهم، يتصدى بمقتضاه المسلمون واليهود وجميع الفصائل لأي عدوان خارجي على المدينة.. وبإبرام دستور المدينة هذا، وإقرار جميع الفصائل بما فيه- صارت المدينة دولة وفاقية رئيسها الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصارت المرجعية العليا للشريعة الإسلامية، وصارت جميع الحقوق الإنسانية مكفولة، كحق حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر، والمساواة والعدل.

وأخيرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء” رواه مسلم، ومعناه أن الإسلام في بداية دعوته كان غريباً لقلة أهله، محارباً من أهل الشرك والفساد ، وأصل الغريب البعيد من الوطن. وكذلك يكون في آخر الزمان فسيعود غريبا لقلة من يقوم به ويعين عليه، وإن كان أهله كثيراً، فإن من تمسك به صار غريباً محارباً، فيصير المتمسك بالإسلام كالقابض على الجمر، وفي بعض روايات هذا الحديث: قيل من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس.