الصورة الثالثة من صور الشورى الإسلامية بعد قصة استخلاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ حيث ابتكر عمر بن الخطاب طريقة جديدة لم يسبق إليها في اختيار الخليفة الجديد، وذلك عن طريق جعل الشورى في ستة من الصحابة كلهم يصلحون لتولي الأمر ولو أنهم يتفاوتون، وجميعهم من العشرة المبشرين بالجنة الذين مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم، وهم:
علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله. وقد استثنى الصحابي سعيد بن زيد لقرابته.
هذا وقد أمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا، وفيهم ابنه عبد الله بن عمر يحضر معهم مشيرا فقط، وليس له من الأمر شيء، ويصلي بالناس أثناء التشاور صهيب الرومي.
كما حدد لهم طريقة الانتخاب ومدته، وعدد الأصوات الكافية لانتخاب الخليفة وحدد الحكم في المجلس، والمرجح إن تعادلت الأصوات، وأمر مجموعة من الجنود لمراقبة سير الانتخابات في المجلس، وعقاب من يخالف أمر الجماعة، ومنع الفوضى بحيث لا يسمحون لأحد يدخل أو يسمع ما يدور في المجلس.
روايات استخلاف وبيعة عثمان بن عفان
تختلف الروايات في تفاصيل قصة الشورى، وما طلبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حالة الاختلاف وما شجر بين الصحابة من اختلاف في الآراء، وحيث أن الروايات التاريخية يشوبها الكثير من الشك حول الرواة، وخاصة خلفياتهم الفكرية والمذهبية، وكنتيجة واقعية وهو الاجماع على بيعة عثمان وعدم تخلف أحد من الصحابة وخاصة علي بن أبي طالب ومن كان يطالب باستخلافه كعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود، وتعتبر رواية البخاري في صحيحه أكثر الروايات منطقية وتتوافق مع أخلاق الصحابة، وحرصهم على اجتماع كلمة المسلمين.
رواية البخاري حديث 3497 تحقيق البغا عندما طعن عمر بن الخطاب
قَالوا أَوصِ يا أَميرَ الْمؤْمِنِينَ اسْتَخْلفْ قال ما أَجدُ أحَدًا أحَقَّ بهذا الأَمْرِ من هَؤلَاءِ النّفَرِ أو الرَّهطِ الَّذينَ توُفِّيَ رسول اللّهِ وهو عَنْهمْ راضٍ فسَمَّى عَليًّا وَعثْمَانَ وَالزّبَيْرَ وَطَلحَةَ وَسَعدًا وَعَبدَ الرحمن وقال يَشْهَدكُمْ عبد اللّهِ بن عمَرَ وَلَيسَ له من الأَمْرِ شَيءٌ كَهَيئَةِ التَّعْزيَةِ له فَإنْ أصَابَتْ الْإمْرَةُ سَعدًا فَهوَ ذاكَ وَإلَّا فَلْيَسْتَعنْ بهِ أَيّكُمْ ما أمِّرَ فَإنِّي لم أَعْزلْهُ عن عَجزٍ ولا خيَانَةٍ وقال أوصِي الْخَليفَةَ من بَعْدي بِالْمهَاجِرِينَ الْأَوَّلينَ أنْ يَعْرفَ لهم حَقَّهمْ وَيَحفَظَ لهم حرْمَتَهُمْ وَأوصِيهِ بالْأَنْصَارِ خَيرًا ) والذين تبوؤوا الدّارَ وَالْإيمَانَ من قَبْلهِمْ ( أنْ يُقْبلَ من مُحْسنِهِمْ وأَنْ يُعْفى عن مُسيئِهِمْ وَأُوصيهِ بأَهْلِ الْأمْصَارِ خيْرًا فَإنَّهُمْ ردْءُ الْإسْلَامِ وجُبَاةُ الْمالِ وغَيْظُ الْعدُوِّ وأَنْ لا يُؤْخذَ منهم إلا فضْلُهُمْ عن رضَاهُمْ وَأُوصيهِ بالْأَعْرَابِ خيْرًا فَإنَّهُمْ أصْلُ الْعرَبِ ومَادَّةُ الْإسْلَامِ أنْ يُؤْخذَ من حَوَاشي أَمْوَالهِمْ ويُرَدَّ على فُقَرَائهِمْ وَأُوصيهِ بذِمَّةِ اللّهِ تعالى وَذمَّةِ رَسُولهِ أنْ يُوفى لهم بعَهْدِهِمْ وأَنْ يُقاتَلَ من وَرَائهِمْ ولا يُكلَّفُوا إلا طاقَتَهُمْ فلما قُبضَ خرَجْنَا بهِ فانْطَلَقْنَا نَمْشي فسَلَّمَ عبد اللّهِ بن عُمرَ قال يَسْتَأْذنُ عُمرُ بن الْخطَّابِ قالت أَدْخلُوهُ فَأُدْخلَ فَوُضعَ هُنَالكَ مع صَاحبَيْهِ فلما فُرغَ من دَفْنهِ اجْتمَعَ هؤُلَاءِ الرّهْطُ فقال عبد الرحمن اجْعلُوا أمْرَكُمْ إلى ثلَاثَةٍ منْكُمْ فقال الزُّبيْرُ قد جعَلْتُ أَمْري إلى عَليٍّ فقال طلْحَةُ قد جعَلْتُ أَمْري إلى عُثْمانَ وقال سعْدٌ قد جعَلْتُ أَمْري إلى عبد الرحمن بن عَوفٍ فقال عبد الرحمن أيُّكُمَا تبَرَّأَ من هذا الأَمْرِ فَنَجعَلُهُ إليه واللَّهُ عليه وَالإِسْلَامُ لَيَنظُرَنَّ أَفضَلَهُمْ في نَفسِهِ فَأُسكِتَ الشَّيخَانِ فقال عبد الرحمن أَفَتَجعَلُونَهُ إلي واللَّهُ علَيَّ أنْ لا آلو عن أَفضَلِكُمْ قالا نعم فأَخَذَ بِيدِ أحَدِهِمَا فقال لك قرَابَةٌ من رسول اللّهِ وَالقَدَمُ في الإِسْلَامِ ما قد عَلِمتَ فاللَّهُ عَلَيكَ لئِنْ أَمَّرتُكَ لَتَعدِلَنَّ ولَئِنْ أَمَّرتُ عُثمَانَ لَتَسمَعَنَّ ولَتُطِيعَنَّ ثمَّ خلَا بِالآخَرِ فقال له مِثلَ ذلك فلما أخَذَ المِيثَاقَ قال ارفَعْ يدَكَ يا عُثمَانُ فبَايَعَهُ فبَايَعَ له علِيٌّ ووَلَجَ أَهلُ الدّارِ فبَايَعُوهُ.
ونورد الملاحظات التالية حول بيعة عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين:
– حرص عمر بن الخطاب على اختيار من مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم، واستبعاد سعيد بن زيد لقرابته فلا يريد أن يكون في الامر أي مجال لفكرة التوريث.
– لم يحدد عمر بن الخطاب الأسماء الستة المرشحة للخلافة إلا لقناعة غالبية المسلمين، بكفائة وفضل وأسبقية هذه الشخصيات في الإسلام، وانهم الأحق بالخلافة.
– تمت البيعة لعثمان باجماع الصحابة وما تخلف أو تأخر عن بيعته أحد.
– للمرة الثالثة يقدم علي بن أبي طالب دليلا على عدم وجود أي عهد خاص له من النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فلا يعقل ولا يقبل أن يسكت للمرة الثالثة عن ركن من أركان الدين التي ابتدعها الشيعة، وهي الإمامة، ودليل واضح على كذب وافتراء الشيعة على الله ورسوله وعلي بن أبي طالب.
– لا يستبعد أن يشهد مجلس التصويت؛ لاختيار الخليفة مناقشات وارتفاع في الأصوات؛ إلا أن جميع الروايات تجمع على أن بيعة عثمان بن عفان تمت بموافقة جميع الحضور، ولم يتخلف عن البيعة الخاصة أو العامة أحد من المسلمين في المدينة.
عمل وبحث تستحقون الثناء عليه فشكرا لكم