لَمَّا تُوُفِّيَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وكانَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، وكَفَرَ مَن كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، فَقالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: كيفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ؟ وقدْ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فمَن قالَهَا فقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ ونَفْسَهُ إلَّا بحَقِّهِ، وحِسَابُهُ علَى اللَّهِ فَقالَ: واللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَن فَرَّقَ بيْنَ الصَّلَاةِ والزَّكَاةِ، فإنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، واللَّهِ لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ علَى مَنْعِهَا قالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: فَوَاللَّهِ ما هو إلَّا أنْ قدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فَعَرَفْتُ أنَّه الحَقُّ. (رواه البخاري ومسلم).
مقدمة حول حروب الردة
ارتدت معظم القبائل والمدن في الجزيرة العربية ولم يبق على الإسلام إلا أهل مكة والمدينة والطائف والقبائل المجاورة لها.
- ادّعاء قسم من القبائل النبوّة بسبب العصبيّة القبليّة حيث اختارت كل قبيلة شخصًا منها ليكون نبيًّـا.
- عدم تعوّد قسم من القبائل الخضوع للنظام الذي اقرّه الإسلام من تحريمات مثل: تحريم الخمر، والميسر والزّنا والربا وغيرها.
- رفض قسم من القبائل دفع الزكاة حيث اعتبرتها ضريبة واعتبرت دفعها خضوعًا مهينًا لها.
- اعتقاد قسم من القبائل أنّ ولائهم السّياسي للرسول محمد كان ولائًا شخصيًّا ينتهي بوفاة الرّسول محمد بن عبد الله.
بعث أسامة بن زيد:
بعد أن انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، واستقر الأمر ل أبي بكر رضي الله عنه، أوعز ل أسامة – الذي كان لا يزال مرابطًا على حدود المدينة، في مكان يقال له: ( ذو خشب ) – بالمسير لوجهته. وكانت الردة قد انتشرت في صفوف بعض قبائل العرب. وقد أشار كثير من الناس على الصديق أن لا يبعث جيش أسامة ؛ لاحتياجه إليه فيما هو أهم. إلا أن أبا بكر لم يبالِ بالأقوال التي كانت تفضل تجميد الجيش؛ وأيضًا لم يكترث بالآراء التي ارتأت أن يستبدل ب أسامة غيره؛ بل أطلق قولته المشهورة، التي تدل على صلابة موقفه، وقوة عزيمته، قائلاً: ( والذي لا إله غيره، لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله، ما رددت جيشًا وجَّهه رسول الله، ولا حللت لواء عقده رسول الله ) وفي رواية أنه قال: (لو ظننت أن السباع تخطفني، لأنفذت بعث أسامة، كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته) ووجه أسامة لإتمام المهمة التي أوكلها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونهض أسامة للأمر الذي كُلِّف به خير قيام، وانتهى إلى ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل لا يمر بقوم ولا قبيلة يريدون الارتداد إلا قالوا: لولا أن لهؤلاء قوة ومنعة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن نَدَعُهم حتى يلقَوا الروم. فلقوا الروم، فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين غانمين.
وقد ثبَّت الله بهذا الموقف من أبي بكر رضي الله عنه أقوامًا كثيرة على الإسلام، وعاد كثير من الذين ارتدوا إلى إسلامهم. وكان خروج بعث أسامة في ذلك الوقت من أكبر المصالح للإسلام والمسلمين. وكان فراغه من بعثه هذا في أربعين يومًا .
تعرُّض المدينة لهجوم القبائل:
الواقع أنَّ خروج أسامة بن زيد بلاد الشام قد شتَّت القوَّة الإسلاميَّة النامية ممَّا شجَّع الخارجين وبخاصَّةٍ عبس وذبيان على مهاجمة المدينة، فعسكروا حولها، وأرسلوا وفدًا إلى أبي بكرٍ رضي الله عنه ليُساوموه على موقفهم بعدم دفع الزكاة، واطَّلعوا في غضون ذلك على الوضع الداخلي في المدينة ممَّا دفع أبا بكرٍ رضي الله عنه إلى تنبيه المسلمين كي يأخذوا حذرهم.
انتهت المفاوضات بين الجانبين بالفشل بسبب التصلُّب في المواقف، فعاد أعضاء الوفد إلى معسكرهم، في حين قام أبو بكرٍ رضي الله عنه بحشد القوى وتدعيم دفاعات المدينة، وشنَّ المحاصرون هجومًا ليليًّا بعد ثلاثة أيام غير أنَّهم لم يُحقِّقوا أيَّ نصرٍ على الرغم من قلَّة المدافعين وارتدُّوا على أعقابهم.
كان لهذا الانتصار الإسلامي السريع عدَّة نتائج إيجابيَّة لعلَّ أهمها:
- ازداد المسلمون -في كلِّ قبيلة- ثباتًا على دينهم.
- ازداد المرتدون تعنُّتًا، فوثبوا على من فيهم من المسلمين وقتلوهم، فحَلِف أبو بكر ليقتلنَّ في كلِّ قبيلةٍ بمن قُتل من المسلمين.
- هرع من ثبت على إسلامه إلى المدينة لأداء الزكاة.
اقرأ أيضًا: خريطة التاريخ الإسلامي
حروب الردة 11-13 هجرية
هي مجموعة من أشرس الحروب الإسلامية، وكانت خطورتها كبيرة من أكثر من وجه؛ أولًا لأنها كانت بعد قليل من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثانيًا لأنها كانت في أكثر من اتِّجاه في وقت متزامن، وثالثًا لأنها كانت حربًا أهليَّة تدور رحاها بين أفراد في داخل الدولة نفسها، ورابعًا لأن الأعداء الخارجيين المتمثِّلين في فارس والروم كانوا يتربَّصون بالأمَّة، ومن المتوقَّع أن ينقضوا عليها إذا وجدوا فيها اضطرابًا.
وبعد عودة جيش أسامة إلى المدينة أرسل الصديق رضي الله عنه أحد عشر جيشًا في وقت واحد على النحو التالي:
الرقم | القائد | جيش المرتدين | مكان المعركة | نتائج المعركة |
1 | خالد بن الوليد | طليحة بن خويلد الأسدي ثم بني تميم بقيادة مالك بن نويرة ثم اليمامة لدعم جيش عكرمة وشرحبيل | نجد | انتصر خالد في معركة بزاخة
وانتصاره على بني تميم ثم انتصر على بني حنيفة بقيادة مسيلمة في معركة اليمامة |
2 | عكرمة بن أبي جهل | مسيلمة الكذَّاب | اليمامة | انهزم جيش طليحة لعدم انتظار دعم جيش عكرمة |
3 | شرحبيل بن حسنة | مسيلمة الكذَّاب | مسيلمة الكذَّاب | انهزم جيش عكرمة لعدم انتظار دعم جيش خالد |
4 | طُرَيْفَة بن حاجز السُّلَمِيِّ | بني سليم وهوازن | هوازن | انتصر المسلمون |
5 | عمرو بن العاص | قبائل قضاعة ووديعة والحارث | شمال المدينة | انتصر المسلمون |
6 | خالد بن سعيد | مشارف الشام | انتصر المسلمون | |
7 | العلاء بن الحضرمي | الحطم بن ضبيعة في مرتدي عبد القيس وقبائل ربيعة | البحرين | انتصر المسلمون |
8 | حذيفة بن محصن | دبا | عمان | انتصر المسلمون |
9 | عرفجة بن هرثمة | أهل المهرة | عمان | انتصر المسلمون |
10 | المهاجر بن أبي أمية | أتباع الأسود العنسي ثم إلى حضرموت | اليمن | انتصر المسلمون |
موقعة اليمامة: (آخر 11 وأول 12 هجرية)
من أكبر مواقع الرِّدَّة، ومن أعظمها آثارًا. بلغ الجيش المسلم في هذه الموقعة اثني عشر ألف مقاتل بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه، بينما تجاوز مرتدو بني حنيفة أربعين ألفًا بقيادة مسيلمة الكذَّاب. حقَّق المسلمون النصر في البداية، ولكن تغيَّر مسار القتال لاحقًا لصالح المرتدين. اجتهد خالد بن الوليد رضي الله عنه في تدارك الموقف، وقسَّم المسلمين تبعًا لقبائلهم لزيادة الحميَّة في نفوسهم، وأعطى راية المهاجرين لسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه، وراية الأنصار لثابت بن قيس رضي الله عنه، وكذلك أعطى رايات لبقية القبائل، كما استنفر حفَّاظ القرآن، وأيضًا حفَّاظ سورة البقرة، وتنادى المسلمون بصيحات مشجِّعة عظيمة.
عن عُرْوَةَ أَنَّ شِعَارَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ كَانَ: يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وقال أبو حذيفة رضي الله عنه: «يَا أَهْلَ الْقُرْآِن، زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِالْفِعَالِ». لعل هذه الدعوات هي التي جعلت القتل في حفظة القرآن في موقعة اليمامة أكثر من غيرهم.
تغيَّر مسار المعركة من جديد لصالح المسلمين، وهرب مسيلمة وجنوده إلى حديقة ذات أسوار عالية، عُرِفَت بعد ذلك بحديقة الموت، وقد أرادوا تجنُّب استمرار القتال، ولكن ألقى المسلمون البراء بن مالك رضي الله عنه بناءً على طلبه إلى داخل الحديقة، ففتحها بعون الله، وكَتَبَ اللهُ له النجاة، وانهمر المسلمون إلى داخل الحديقة، واستحرَّ القتل في الفريقين، وقُتِل في النهاية مسيلمة الكذَّاب على يد وحشي بن حرب، وانهار المرتدُّون، وانتصر المسلمون انتصارًا مهيبًا هزَّ الجزيرة العربية كلها، وثبَّت أركان الدولة المسلمة.
قُتِل من المرتدَّين في هذه الموقعة ما بين أربعة عشر ألفًا إلى عشرين ألفًا، بينما استشهد من المسلمين ألف ومائتان، وهو الرقم الأعظم للشهداء منذ بداية الإسلام. كانت هناك أسماء بارزة، وأعلام كبرى، في هؤلاء الشهداء؛ فكان منهم زيد بن الخطاب، وثابت بن قيس، والطفيل بن عمرو الدوسي، وعبَّاد بن بشر، وأبو دجانة، وأبو حذيفة بن عتبة، وسالم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، والْحَكَمُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيُّ، وَالسَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتِ (أَخُو زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ)، وَالسَّائِبُ بْنُ الْعَوَّامِ (أَخُو الزُّبَيْرِ)، وعبد الله بن عبد الله بن أُبَيِّ ابن سلول، وغيرهم كثير من كبار الصحابة رضي الله عنهم، كما كان منهم الكثير من البدريين. كان من المؤثِّر -أيضًا- في هذه المعركة استشهاد عدد كبير من حفظة القرآن بلغ أربعمائة وخمسين، أو خمسمائة. هذا الفقد الكثيف لحملة القرآن دفع الصديق رضي الله عنه والصحابة إلى خطوة جمع القرآن في مصحف واحد.
جمع القرآن الكريم
قال زيد بن ثابت : أَرْسَلَ إلَيَّ أبو بَكْرٍ مَقْتَلَ أهْلِ اليَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عِنْدَهُ، قالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: إنَّ عُمَرَ أتَانِي فَقالَ: إنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَومَ اليَمَامَةِ بقُرَّاءِ القُرْآنِ، وإنِّي أخْشَى أنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بالقُرَّاءِ بالمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وإنِّي أرَى أنْ تَأْمُرَ بجَمْعِ القُرْآنِ، قُلتُ لِعُمَرَ: كيفَ تَفْعَلُ شيئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قالَ عُمَرُ: هذا واللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لذلكَ، ورَأَيْتُ في ذلكَ الذي رَأَى عُمَرُ، قالَ زَيْدٌ: قالَ أبو بَكْرٍ: إنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لا نَتَّهِمُكَ، وقدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، فَوَاللَّهِ لو كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ ما كانَ أثْقَلَ عَلَيَّ ممَّا أمَرَنِي به مِن جَمْعِ القُرْآنِ، قُلتُ: كيفَ تَفْعَلُونَ شيئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟، قالَ: هو واللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أبو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ له صَدْرَ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أجْمَعُهُ مِنَ العُسُبِ واللِّخَافِ، وصُدُورِ الرِّجَالِ، حتَّى وجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مع أبِي خُزَيْمَةَ الأنْصَارِيِّ لَمْ أجِدْهَا مع أحَدٍ غيرِهِ، {لقَدْ جَاءَكُمْ رَسولٌ مِن أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عليه ما عَنِتُّمْ} حتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أبِي بَكْرٍ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بنْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه (رواه البخاري).
• وأصابت كُلَّ شخصٍ في المُجتمع العربي حيثُ كان، إمَّا مُرتدًّا أو ثابتًا على الإسلام. فهي إذن حُروبٌ أهليَّةٌ من الصُعوبة أن تُمحى آثارُها من ذاكرة العربيّ في مُجتمعٍ يقومُ على الثأر، وبخاصَّةً أنَّ العرب كانوا حديثي العهد بالإسلام. إذ أنَّ القتل أصاب مُختلف القبائل التي ارتدَّت، فكان من الضروريّ فتح جبهاتٍ جديدةٍ تُحوِّلُ اهتمام الناس عن الشأن الداخليّ. فكانت الفُتوح خارج نطاق شبه الجزيرة العربيَّة، مع المُلاحظة بأنَّ العامل الدينيّ كان السبب الأبرز والدَّافع الأوَّل الذي دفع الجُيوش العربيَّة الإسلاميَّة إلى الفُتوح.
• كانت الوِحدة السياسيَّة بعد الوِحدة الدينيَّة ضروريَّة لِدفع العرب إلى جزيرتهم التي تُعدُّ قاعدة الفُتوح. فإذا كانت هذه القاعدة مُضطربة فكيف يُمكنُ لِلفُتوح أن تبدأ وتنجح وتستمر. وقد أتاحت حروب الردة تحقيق هذه الوِحدة وتعبئة كُل طاقات العرب وحشدها للأعمال العسكريَّة التي تلت.
• هُناك صلة بين حركة الرِّدَّة والفُتوح اللاحقة، ذلك أنَّ حجم واتساع حروب الردة كانت أوَّل تدريبٍ عسكريٍّ عمليٍّ على الأرض لِكافَّة العرب المُسلمين في شبه الجزيرة العربيَّة، على مُستوى الجُيوش الكبيرة، ابتداءً من الحشد والتعبئة العامَّة إلى التحرُّكات والسير والالتحام، إلى أعمال الدوريَّات والحِصار والجاسوسيَّة والتدابير اللوجستيَّة. ويُذكر أنَّ الحُروب بين العرب في الجاهليَّة وحتَّى العصر النبويّ كانت على مُستوياتٍ أقل، فكانت حُرُوبُ الرِّدَّة أوَّل حربٍ أشعلت كُل شبه الجزيرة العربيَّة واشترك في معاركها عشراتُ الآلاف من المُقاتلين، وعليه يُمكنُ وصف هذه الحُروب بِمثابة جسر عبر المُسلمون العرب عليه إلى خارج شبه الجزيرة العربيَّة بِهدف الفتح.
• كانت حُرُوبُ الرِّدَّة فُرصة مواتية لِبُروز قياداتٍ عسكريَّةٍ اكتسبت خبرة في القتال، وتدرَّجت من قيادة عمليَّاتٍ صغيرةٍ محدودة الإمكانات إلى قيادة عمليَّات على نطاقٍ أوسع، ومن بين هذه القيادات: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وسعد بن أبي وقَّاص، والقعقاع بن عمرو التميميّ، وأخاه عاصمًا، وجُرير بن عبدُ الله البجلي، والمُثنّى بن حارثة الشيبانيّ، وعُديّ بن حاتم الطائيّ، والنُعمان بن مُقرن المزنيّ وإخوته، وغيرهم كثير.
• كانت حروب الردة مرحلةً وسيطةً من حيثُ الحجم بين غزوات النبيّ وبين المعارك الكُبرى لِلفُتوح التي غيَّرت مُجتمعاتٍ فارسيَّة وبيزنطيَّة مثل اليرموك والقادسيَّة وما بعدهما.
• كانت حُرُوبُ الرِّدَّة ذات قيمة فنيَّة لا تُقدَّر، فهي أعطت المُسلمين الثقة بالنفس وبِالنظام الذي اختاروه وبِالقُدرة على الانتصار، وهي ثِقةٌ هامَّةٌ وضروريَّةٌ في مُواجهة قِوى كُبرى تتمتَّع بِقُدراتٍ ماديَّةٍ وكثرةٍ عدديَّةٍ، هذا إلى جانب الإيمان بالهدف.
فتح العراق والشام
لما انتهت حروب الردة واستقرت الأمور في الجزيرة العربية، بدأ أبو بكر بتوجيه الجيوش لفتح العراق والشام والذي سنفصله في مقال آخر إن شاء الله.
المصادر:
- صحيح البخاري
- تاريخ الطبري
- الطريق إلى المدائن أحمد عادل كمال