خلافة الحسن بن علي وملك معاوية

خلافة الحسن بن علي، وملك معاوية في عام الجماعة 41 هجرية
مخطط خلافة الحسن بن علي، وملك معاوية في عام الجماعة 41 هجرية

لما استشهد الخليفة الرابع: علي رضي الله عنه بعد أن قتله الخارجي عبدالرحمن بن عمرو المرادي في شهر رمضان لسبع عشرة ليلة خلت منه سنة أربعين للهجرة النبوية(طبقات ابن سعد ح3/37) تداعى أهل الشام إلى بيعة معاوية، فقال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد: نحن المؤمنون ومعاوية أميرنا وهو أمير المؤمنين، فبايع له أهل الشام وهو بإيليا لخمس ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة أربعين، فكان ما بين قتل عثمان وبيعة الناس لمعاوية أربع سنين وشهرين وسبع عشرة ليلة)(أنساب الأشراف للبلاذري 3/251 ).

مبايعة الحسن بن علي

كما بايع أهل المدينة باعتبارهم أهل الحل والعقد بالخلافة بعده ابنه الحسن بن علي رضي الله عنه واستمر خليفة على الحجاز واليمن والعراق وخراسان وغير ذلك نحو سبعة أشهر، وقيل: ثمانية أشهر، وقيل ستة أشهر وكانت خلافته هذه المدة خلافة راشدة حقه لأن تلك المدة كانت مكملة لمدة الخلافة الراشدة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مدتها ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً.
فقد روى الترمذي بإسناده إلى سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك .(سنن الترمذي 2226).

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: (والدليل على أنه أحد الخلفاء الراشدين الحديث الذي أوردناه في (دلائل النبوة) من طريق سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً، وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي .(البداية والنهاية 8/17).

وقال المناوي بعد ذكره لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) (9) قال: (وكان ذلك فلما بويع له بعد أبيه وصار هو الإمام الحق مدة ستة أشهر تكملة للثلاثين سنة التي أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم إنها مدة الخلافة وبعدها يكون ملكاً عضوضاً) (10) .
ولما كان رضي الله عنه هو المبايع بالخلافة بعد أبيه وأنه الإمام الحق تلك المدة التي كانت مكملة لخلافة النبوة رأى أنه لابد من أن يكون أمره نافذاً على بلاد الشام التي كان الأمر فيها حينئذ لمعاوية رضي الله عنه فتوجه نحو بلاد الشام بكتائب كأمثال الجبال وبايعه منهم أربعون ألفاً على الموت فلما ترائى الجمعان علم أنه لا يغلب أحدهما حتى يقتل بعضها بعضاً واشترط على معاوية رضي الله عنه شروطاً التزمها، ووفى بها وعلى وفقها جرى الصلح بينهما.
روى قصة الصلح بينهما الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه (2/962): فقد روى بإسناده إلى الحسن البصري حيث قال: (استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها فقال له معاوية – وكان والله خير الرجلين -: أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس – عبد الرحمن ابن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز – فقال: اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له وطلبا إليه فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك قال: فمن لي بهذا؟ قالا نحن لك به فما سألهما شيئاً إلا قالا: نحن لك به فصالحه فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) .

وهذا الإصلاح الذي حصل بين فريقي الحسن بن علي ومعاوية رضي الله عنهما مما يحبه الرب -جل وعلا – ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو من أكبر مناقب الحسن رضي الله عنه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وهذا الحديث يبين أن الإصلاح بين الطائفتين كان ممدوحاً يحبه الله ورسوله، وأن ما فعله الحسن من ذلك كان من أعظم فضائله ومناقبه التي أثنى بها عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان القتال واجباً أو مستحباً لم يثن النبي صلى الله عليه وسلم بترك واجب أو مستحب. (منهاج السنة النبوية لابن تيمية 2/202).
وقد ذكر ابن العربي أسباباً هيأت الحسن لقبول الصلح مع معاوية رضي الله عنه، حيث قال: (وعمل الحسن بمقتضى حاله فإنه صالح حين استشرى الأمر عليه وكان ذلك بأسباب سماوية ومقادير أزلية ومواعيد من الصادق صادقة:
منها: ما رأى من تشتت آراء من معه.
ومنها: أنه طعن حين خرج إلى معاوية فسقط عن فرسه وداوى جرحه حتى برأ فعلم من ينافق عليه ولا يأمنه على نفسه.
ومنها: أنه رأى الخوارج أحاطوا بأطرافه، وعلم أنه إن اشتغل بحرب معاوية استولى الخوارج على البلاد، وإن اشتغل بالخوارج استولى عليه معاوية.
ومنها: أنه تذكر وعد جده الصادق صلى الله عليه وسلم في قوله: إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.(احكام القرآن لابن العربي 4/152).

وكان ذلك الصلح المبارك الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون علي يد سبطه الحسن بن علي عام واحد وأربعين هجرية (فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه توفى في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة وهذا من دلائل – نبوته – صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليماً، وقد مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صنيعه هذا وهو تركه الدنيا الفانية ورغبته في الآخرة الباقية، وحقنه دماء هذه الأمة فنزل عن الخلافة وجعل الملك بيد معاوية حتى تجتمع الكلمة على أمير واحد. (البداية والنهاية8/15)
(1وتسليم الحسن الأمر لمعاوية يعتبر عقد بيعة منه له بالخلافة وكان ذلك في موضع يقال له: (مسكن) ولما نزل الحسن عن الخلافة لمعاوية بايعه (الأمراء من الجيشين واستقل بأعباء الأمة فسمي ذلك العام عام الجماعة لاجتماع الكلمة فيه على رجل واحد(البداية والنهاية 6/220)
(17) ولاجتماع المسلمين بعد الفرقة وتفرغهم للحروب الخارجية والفتوح، ونشر دعوة الإسلام بعد أن عطل قتلة عثمان سيوف المسلمين عن هذه المهمة نحو خمس سنوات.
ولما تسلم معاوية البلاد ودخل الكوفة وخطب بها واجتمعت عليه الكلمة في سائر الأقاليم والآفاق وحصل على بيعته عامئذ الإجماع والاتفاق – رحل الحسن بن علي ومعه أخوه الحسين وبقية إخوتهم، وابن عمهم عبد الله بن جعفر من أرض العراق إلى أرض المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وجعل كلما مر بحي من شيعتهم يبكتونه على ما صنع من نزوله عن الأمر لمعاوية وهو في ذلك – هو البار الراشد الممدوح، وليس يجد في صدره حرجاً ولا تلوماً ولا ندماً، بل هو راض بذلك مستبشر به وإن كان قد ساء هذا خلقاً من ذويه وأهله وشيعتهم ولاسيما بعد ذلك بمدد، وهلم جراً والحق في ذلك اتباع السنة ومدحه فيما حقن به دماء الأمة، كما مدحه على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الحديث الصحيح ولله الحمد والمنة) .(البداية والنهاية 8/21)
يعتبر أهل السنة والجماعة أن خلافة الحسن بن علي رضي الله عنه كانت خلافة حقة، وأنها جزء مكمل لخلافة النبوة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مدتها ستكون ثلاثين سنة، وأنه بتنازل الحسن رضي الله عنه تحولت الخلافة إلى ملك وراثي، وذلك أن معاوية رضي الله عنه عهد إلى ابنه يزيد بالملك بعده، مما جر الحروب والفتن العظيمة على المسلمين؛ (انظر حلقات معركة الخلافة) رفضا لهذا المنكر السياسي، وهو إسقاط نظام الشورى والخلافة الراشدة المبنية على الاختيار إلى نظام الملك المؤسس على تولية الأبناء والأقارب.
وفي تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية دليل على أن الخلافة للحسن لم تكن بنص من النبي ‏صلى الله عليه وسلم كما يزعم الشيعة، ودليل على إسلام معاوية وفضله، وإلا ‏لما سلطه الحسن على ولاية المسلمين.‏

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *