تمثل طريقة تولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة صورة ثانية من الشورى الإسلامية التي طبقها الصحابة، والتي اختلفت عن طريقة تولية أبي بكر الصديق، والذي وضحناه في مقال سابق.
استخلاف عمر بن الخطاب
ذلك أن أبا بكر رضي الله عنه مرض قبل وفاته خمسة عشر يوماً ولما أحس بدنو أجله رضي الله عنه عهد في أثناء هذا المرض بالأمر من بعده إلى عمر بن الخطاب وكان الذي كتب العهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وقرئ على المسلمين فأقروا به وسمعوا له وأطاعوا، ولم يعهد الصديق رضي الله عنه بالخلافة لعمر رضي الله عنه إلا بعد أن استشار نفراً من فضلاء الصحابة فيه مع أن عمر رضي الله عنه هو المعروف بصلابته في الدين، وأمانته وشدته على المنافقين إلى غير ذلك من الصفات الحميدة التي اتصف بها في ذات الله – ولكن الصديق رضي الله عنه فعل هذا مبالغة في النصح للأمة المحمدية وقد ذكر أهل السير والتواريخ صيغة عهد الصديق بالخلافة للفاروق رضي الله عنه فقد روى ابن سعد وغيره: أن أبا بكر الصديق لما استعز به – اشتد عليه المرض وشعر بدنو أجله – دعا عبدالرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب فقال عبدالرحمن: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني فقال أبو بكر: وإن فقال عبد الرحمن: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان بن عفان فقال: أخبرني عن عمر فقال: أنت أخبرنا به فقال: على ذلك يا أبا عبد الله فقال: عثمان: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته وأنه ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: يرحمك الله والله لو تركته ما عدوتك وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور وأسيد بن الحضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك يرضى للرضى ويسخط للسخط الذي يسر خير من الذي يعلن، ولم يل هذا الأمر أحد أقوى عليه منه، وسمع بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به فدخلوا على أبي بكر فقال له قائل منهم: ( وهو طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين في الجنة) ما أنت قائل لربك إذ سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته؟ فقال أبو بكر: أجلسوني فقال: أبالله تخوفوني؟ خاب من تزود من أمركم بظلم، أقول: اللهم استخلفت عليهم خير أهلك. (تاريخ الطبري ج2 ص 355) أبلغ عني ما قلت لك من وراءك، ثم اضطجع ودعا عثمان بن عفان فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب من الإثم والخير أردت ولا أعلم الغيب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والسلام عليكم ورحمة الله، ثم أمر بالكتاب فختمه، ثم قال بعضهم لما أملى أبو بكر صدر هذا الكتاب: بقي ذكر عمر فذهب به قبل أن يسمي أحداً فكتب عثمان: إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ثم أفاق أبو بكر فقال: اقرأ علي ما كتبت فقرأ عليه ذكر عمر فكبر أبو بكر وقال: أراك خفت إن أقبلت نفسي في غشيتي تلك يختلف الناس فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيراً، والله إن كنت لها لأهلاً، ثم أمره فخرج بالكتاب مختوماً ومعه عمر بن الخطاب وأسيد بن سعيد القرظي فقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم، وقال بعضهم: قد علمنا به، قال ابن سعد: علي القائل وهو عمر، فأقروا بذلك جميعاً ورضوا به وبايعوا، ثم دعا أبو بكر عمر خالياً فأوصاه بما أوصاه به ثم خرج من عنده فرفع أبو بكر يديه مداً فقال: اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به واجتهدت لهم رأيي فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم وأحرصهم على ما أرشدهم وقد حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم فهم عبادك ونواصيهم بيدك أصلح لهم وإليهم واجعله من خلفائك الراشدين يتبع هدي نبي الرحمة، وهدي الصالحين بعده وأصلح له رعيته. (الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص199).
الاستخلاف إنما هو ترشيح فقط:
بعد مشاورات أجراها أبو بكر مع أهل الحل والعقد تذكر كتب التاريخ منهم عثمان بن عفان ، عبد الرحمن بن عوف، أسيد بن حضير وغيرهم، مما شمل الأنصار والمهاجرين؛ استخلف أبو بكر عمر بن الخطاب ، وفي هذا يقول ابن تيمية: وأما عمر فإن أبا بكر عهد إليه وبايعه المسلمون بعد موت أبي بكر فصار إماما لما حصلت له القدرة والسلطان بمبايعتهم له. (منهاج السنة النبوية ج1 ص532) إذًا قضية الاستخلاف لا تجبر الأمة على الانتخاب إنما هو ترشيح فقط.
إذًا يتبين من الصورة السابقة لخلافة عمر بن الخطاب:
- إجراء مشاورات مع أهل الحل والعقد في المدينة، واستطلاع الآراء.
- إجماع المسلمين على بيعة عمر بن الخطاب، واعتراض طلحة بن عبيد الله انتهى بتوضيح أبا بكر وقبول طلحة رضي الله عنهم أجمعين.
- الاستخلاف يعتبر ترشيحا غير ملزم للمسلمين، ولولا قبول الصحابة لما تم الأمر.
- لا يكون الاستخلاف لأحد الأبناء، حتى ولو قبل المسلمون ذلك لأن هذه الصورة تعتبر توريثا، ويحول أمر الخلافة إلى ملكية وراثية لا خلافة راشدة.
- قبول علي رضي الله عنه بخلافة عمر رد واضح على الشيعة، وعقائدهم الخاصة بالإمامة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لعلي، وإلا فلا يعقل أن يسكت علي باعتبار أنه آثر السكوت في خلافة أبي بكر لفاجعة وفاة النبي والخوف من افتراق الكلمة، علما أن علي لم يخف اعتراضه وعتبه على استخلاف أبي بكر، ولم ينقل لنا التاريخ أنه اعترض على خلافة عمر.