مع اقتراب شهر رمضان المُبارك يشعر المسلمون في كل أنحاء العالم بفرحة وبهجة احتفالًا بهذا الشهر الكريم، وقد يتساءل البعض كيف يستقبل الشهر الفضيل وكيف تستعد نفسه وروحه لعبادة الصيام، وللإجابة عن هذه التساؤلات قمنا بإعداد بحث شامل عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان شهر الصيام، وعن حاله قبله تهيئة للروح والنفس لاستقبال هذا الشهر المُبارك…
أولاً: حال النبي صلى الله عليه وسلم قبل رمضان
* إكثاره صلى الله عليه وسلم من الصيام في شعبان. قالت عائشة رضي الله عنها: «لم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً». رواه مسلم (1156)
* تبشيره صلى الله عليه وسلم أصحابه بقدومه وتهيئتهم للاجتهاد فيه بذكر بعض خصائصه وتضاعف الأجور فيه ؛ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادي منادٍ : يا باغي الخير أقبل ! ويا باغي الشر أقصر ! ولله عتقاء من النار ، وذلك كل ليلة» رواه الترمذي (682).
ثانياً: حال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان
- كان صلى الله عليه وسلم يتناول سحوره قبل أذان الفجر الثاني بقليل، لحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إِنَّ بِلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) رواه البخاري ومسلم وكان يفطر قبل أن يصلي المغرب، وكان يفطر على رطب أو تمر أو ماء. عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال : « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ » رواه أحمد (12265)، وأبو داوود (2356). وكان إفطاره وسحوره بسيطا متواضعا، والتكلف الذي نشهده اليوم في إفطار الناس وسحورهم هو أبعد شيء عن هديه صلى الله عليه.
- ويقول عند الإفطار: « ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله » رواه أبو داود (2375) .
- استخدام السواك في حال الصيام ، لما رُوِيَ عن عامر بن ربيعة قال : « رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم » رواه الترمذي (725) .
- صبه صلى الله عليه وسلم الماء على رأسه وهو صائم ، لحديث أبي بكر ابن عبد الرحمن قال : « عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرْج يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر » رواه أبو داود (2365) .
- وصاله صلى الله عليه وسلم الصيام أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة . عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تواصلوا. قالوا: إنك تواصل، قال: لست كأحد منكم، إني أُطعم وأُسقى أو إني أبيت أُطعم وأُسقى» رواه البخاري (1961) .
- سفره صلى الله عليه وسلم في رمضان ، وصومه صلى الله عليه وسلم في حين وفطره في آخر . عن طاوس عن ابن عباس قال: سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بإناء من ماء فشرب نهاراً ليريه الناس فأفطر حتى قدم مكة، قال: وكان ابن عباس يقول: صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر، فمن شاء صام ومن شاء أفطر. رواه البخاري (4279) .
حال النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات في رمضان
- صلاة القيام في رمضان. قالت عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، رواه البخاري (1147).
- لم يكن يقوم الليل كله، بل كان يخلطه بقراءة قرآن وغيره، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلة حتى أصبح، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان، رواه أحمد (24268).
- والناظر في عصرنا يجد اختلافا شديدا حول عدد صلاة التراويح، وحين نتأمل في هديه صلى الله عليه وسلم نجد أنه لم يوقت لأمته في قيام رمضان حداً محدوداً وإنما حثهم على القيام فقط ، فدل على التوسعة في هذا الأمر ، فقد روى مالك في الموطأ عن يزيد بن رومان قال: (كان الناس في زمن عمر يقومون في رمضان بثلاثٍ وعشرين ركعة).
وقال مالك رحمه الله : (الأمر عندنا بتسع وثلاثين وبمكة بثلاث وعشرين وليس في شيء من ذلك ضيق)، ولهذا بإمكان المسلم أن يفعل ما يستطيع من ذلك بخشوع وخضوع وطمأنينة، وإن كان الأفضل هو التأسي بفعله صلى الله عليه وسلم من حيث الكم والكيف. - أن غالب قيامه صلى الله عليه وسلم كان منفرداً ؛ خشية أن يُفرض القيام على أمته . فيقصِّر فيه أناس فيأثموا .. هذا مع شدة حرص صحابته الكرام على أن يقوم بهم غالب الليل أو كله، لكنه ينظر لمن بعدهم، وكأنه يرى ضعفنا وشدة عجزنا. عن عائشة رضي الله عنها قالت: أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ في المَسْجِدِ، فَصَلَّى بصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إليهِم رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قالَ: قدْ رَأَيْتُ الذي صَنَعْتُمْ ولَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ علَيْكُم وذلكَ في رَمَضَانَ. رواه البخاري 1129
- إطالته صلى الله عليه وسلم لصلاة القيام ؛ فقد سئلت عائشة : كيف كانت صلاة رسول الله في رمضان ؟ فقالت : « ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة : يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثاً ، فقلت : يا رسول الله ، أتنام قبل أن توتر ؟ قال: يا عائشة ! إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي » رواه البخاري (2013) .
- مدارسته صلى الله عليه وسلم القرآن مع جبريل عليه السلام فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: « كان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه صلى الله عليه وسلم القرآن » رواه البخاري (1902) .
- إكثاره صلى الله عليه وسلم من الإحسان والبر والصدقة . قال ابن عباس : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرآن ، فلَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة »رواه البخاري (3220) .
جهاده صلى الله عليه وسلم في رمضان، وجعله منه شهر بلاء وبذل وفداء، ويتجلى ذلك بأمرين:
الأول: غزوُه صلى الله عليه وسلم للمشركين في رمضان ، وكون أعظم انتصاراته صلى الله عليه وسلم وأجلّها والمعارك الفاصلة التي تمت في حياته كانت فيه . قال أبو سعيد الخدري : « كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان» رواه مسلم (1116)، وقال عمر بن الخطاب قال : « غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان غزوتين يوم بدر والفتح، فأفطرنا فيهما »رواه الترمذي (714) .
الثاني: السرايا والبعوث العديدة التي كانت في رمضان ، وهي كثيرة انظر المغازي للواقدي: 1/ 9 ، 174 ، 39 ، والطبقات لابن سعد : 2/ 6 ، 27 ، 91.
اعتكافه صلى الله عليه وسلم وخلوته بربه سبحانه
- اعتكافه صلى الله عليه وسلم في المدينة في رمضان من كل سنة ، وتقلبه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف في كل عشر من الشهر، ثم استقراره في آخر الأمر على الاعتكاف في العشر الأواخر منه، لإدراك ليلة القدر . عن أبي سعيد الخدري: إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ اعْتَكَفَ العَشْرَ الأوَّلَ مِن رَمَضَانَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ العَشْرَ الأوْسَطَ، في قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ علَى سُدَّتِهَا حَصِيرٌ، قالَ: فأخَذَ الحَصِيرَ بيَدِهِ فَنَحَّاهَا في نَاحِيَةِ القُبَّةِ، ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ، فَدَنَوْا منه، فَقالَ: «إنِّي اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأوَّلَ، أَلْتَمِسُ هذِه اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ، فقِيلَ لِي: إنَّهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، فمَن أَحَبَّ مِنكُم أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ فَاعْتَكَفَ النَّاسُ معهُ، قالَ: وإنِّي أُرِيتُهَا لَيْلَةَ وِتْرٍ، وإنِّي أَسْجُدُ صَبِيحَتَهَا في طِينٍ وَمَاءٍ فأصْبَحَ مِن لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَدْ قَامَ إلى الصُّبْحِ، فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ، فَوَكَفَ المَسْجِدُ، فأبْصَرْتُ الطِّينَ وَالْمَاءَ، فَخَرَجَ حِينَ فَرَغَ مِن صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَجَبِينُهُ وَرَوْثَةُ أَنْفِهِ فِيهِما الطِّينُ وَالْمَاءُ، وإذَا هي لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ» رواه مسلم 1167. ولما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً، رواه البخاري2040.
- أمره صلى الله عليه وسلم بأن يُضرب له خباء في المسجد يلزمه يخلو وحده فيه بربه » رواه ابن ماجة (1775) . قال ابن القيم : « كل هذا تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحه ، عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة ومجلبة للزائرين ، وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم ، فهذا لون ، والاعتكاف النبوي لون ، والله الموفق » انظر زاد المعاد لابن القيم : 2/ 90 .
- دخوله صلى الله عليه وسلم معتكفه إذا صلى فجر اليوم الأول من العشر التي يريد اعتكافها ، يدل لذلك قول عائشة : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ، ثم دخل معتكفه » رواه مسلم (1173) .
- عدم خروجه صلى الله عليه وسلم من معتكفه إلا لحاجة ، يدل لذلك قول عائشة : أنه صلى الله عليه وسلم « كان لا يدخل البيت إلا لحاجة ، إذا كان معتكفاً »رواه البخاري (2029)، وربما أخرج بعض جسده من المعتكف لحاجة، كترجيل رأسه البخاري (1890).
- خروجه صلى الله عليه وسلم من معتكفه مصبحاً لا ممسياً من الليلة التي تلي اعتكافه ، كما في حديث أبي سعيد الخدري « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان ، فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين ، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه » رواه البخاري (2027).
- حرصه صلى الله عليه وسلم على تحري ليلة القدر واجتهاده صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر وتركه النوم في لياليها. قالت عائشة : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل ، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر » رواه مسلم (1174).
- إكثاره صلى الله عليه وسلم من العمل في رمضان في آخر حياته . عن أبي هريرة قال : « كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة ، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه ، وكان يعتكف كل عام عشراً ، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه »رواه البخاري (4998).
أحواله صلى الله عليه وسلم مع أهله
- مواقعته صلى الله عليه وسلم لهن في غير العشر الأواخر ، يشهد لذلك حديث عائشة قالت : كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله، رواه البخاري (2024)، قال ابن حجر (قوله: شد مئزره، أي: اعتزل النساء) رواه البيهقي: 4/314 .
- تقبيله صلى الله عليه وسلم لزوجاته ومباشرته لهن وهو صائم ، قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل في شهر الصوم، رواه مسلم (1106). وسألها الأسود و مسروق: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم؟ قالت: نعم، ولكنه كان أملككم لإربه، رواه مسلم (1106) .
- مراعاته صلى الله عليه وسلم لهن وحرصه على الاستقرار الأسري ؛ إذ ترك الاعتكاف في سنة كما تقدم ، خشية على نسائه من أن يقع بينهن أو في نفوسهن شيء. انظر: فتح الباري لابن حجر : 4/324 .
- زيارة نسائه صلى الله عليه وسلم له في معتكفه وتبادله الحديث معهن ساعة ، وخوفه صلى الله عليه وسلم عليهن وحمايته لهنَّ ، قالت صفية : كان صلى الله عليه وسلم في المسجد وعنده أزواجه فَرُحْن، فقال لصفية بنت حيي: «لا تعجلي حتى أنصرف معك» وكان بيتها في دار أسامة، فخرج صلى الله عليه وسلم معها »رواه البخاري (2038).
~هذا البحث من إعداد فريق التحرير لموقع كلماتنا