بدأنا حلقات هذه السلسة (معركة الخلافة) للحديث حول المعارك والفتن التي وقعت بين المسلمين بسبب تحول الخلافة إلى مُلك وراثي، واليوم موعدنا مع الحلقة السادسة عن ثورة التوابين.
ملاحظة: ندرس في هذا البحث مسألة الخلافة الإسلامية، مع اعترافنا أن الواقع الحالي بين المسلمين يوضح أن الحكم الملكي الوراثي أرحم وأفضل قياسًا بالأنظمة الديكتاتورية الأخرى.
ثورة التوابين
وهم جماعة من الشيعة (أولياؤه وأنصاره وأصحابه فالحسين رضي الله عنه وأنصاره لم يكونوا شيعة بالمعنى المتعارف عليه الآن) اعترفوا بخطأهم عندما دعوا الحسين وتركوا إجابته حتى قتل إلى جانبهم دون أن ينصروه وكان يتزعمهم سليمان بن صرد الخزاعي وكانت له صحبة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقول الطبري عنهم إن الشيعة تلاقت بالتلاوم والتندم(1) .
وكان المختار بن أبي عبيد ينافس سليمان على زعامة الشيعة حتى اضطر إلى انتحال وصية من محمد بن الحنفية يجعله أميناً ووزيراً ولكن الشيعة وعظمائهم لم يكن يعدلون بسليمان بن صرد أحداً (2).
ولما أراد سليمان الشخوص سنة 65 هـ جمع أصحابه وخطب فيهم أيها الناس من كان خرج يريد بخروجه وجه الله والآخرة فذلك منا ، ونحن منه فرحمة الله عليه حياً وميتاً ومن كان إنما يريد الدنيا فوالله ما نأتي فيئاً نأخذه وغنيمة نغنمها ما خلا رضوان الله .
فتنادى أصحابه من كل جانب: إنا لا نطلب الدنيا وليس لها خرجنا إنما خرجنا نطلب التوبة والطلب بدم ابن بنت رسول الله نبينا صلى الله عليه وسلم.
التشاور في مكان الخروج وجهته (3):
لما عزم سليمان على المسير قال له عبد الله بن سعيد بن نفيل: إني قد رأيت رأياً إن يكن صواباً فالله الموفق. إنا خرجنا نطلب بدم الحسين وقتلته كلهم بالكوفة منهم عمر بن سعد ورؤوس الأرباع والقبائل، فوافقوه. ولكن سليمان أشار بأن ابن زياد هو الذي قتله والأولى قتاله لأن ما بعده هين وسهل فاتفقوا على الخروج لقتال ابن زياد.
الاستعجال القاتل (4):
لما بلغ عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد بطلحة خروج ابن صرد فأتياه في أشراف أهل الكوفة ولم يصحبهم من شارك في دم الحسين خوفاً منه فنصحناه بألا يخرج حتى لا ينقص عدد أهل الكوفة بخروجكم وطلب من الإقامة حتى يتهيأوا . وقال له عبد الله أقيموا حتى نعبأ لكم جريداً كثيفاً فتلقوا عدوكم بجمع كثيف . فلم يقم سليمان وانطلق في عشية الجمعة في 5 ربيع الآخر سنة 65هـ فوصل دار الأهواز ثم ساروا حتى انتهوا إلى قبر الحسين فلما وصلوا صاحوا صيحة واحدة فما رئى أكثر باكياً من ذلك اليوم فترحموا عليه وتابوا من خذلانه وترك القتال معه .
وفي هذه الأثناء كان مروان بن الحكم قد قفز إلى الخلافة وانتصر على معارضيه وبدأ يتطلع لإخضاع جميع الثائرين في العالم الإسلامي .
وكان التوابون من الثائرين، فأرسل إليهم عبيد الله بن زياد فسيره بجيش كبير من أهل الشام والتقى ابن زياد بالتوابين عند مكان يقال له ” عين الوردة” حيث دارت معركة عنيفة سقط فيها سليمان بن صرد وكثيرون وانتصر أهل الشام(5).
وتوضح هذه الثورة سمة جميع الثورات ضد الحكم الأموي الملكي وهي ظاهرة الاستعجال وعدم التخطيط.
***
للتعرف على المصادر والمراجع الخاصة بحلقات معركة الخلافة، الرجاء الضغط هنا.
إعداد: أحمد العبد الجليل