تعتبر خلافة علي بن أبي طالب يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين صورة من صور الشورى الكاملة، فقد تمت بطريقة الاختيار؛ حيث لا يوجد عهد سابق وإنما سار الصحابة في الأمر وطلبوا من علي بن أبي طالب قبول الاستخلاف باعتبار أنه أفضل الصحابة الباقين.
روايات استخلاف علي بن أبي طالب
- كتاب الفتنة ووقعة الجمل لسيف بن عمر الضبي ج1ص 91- 95
بقيت المدينة بعد قتل عثمان رضي الله عنه خمسة أيام وأميرها الغافقي ابن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر فلا يجدونه يأتي المصريون عليا فيختبئ منهم ويلوذ بحيطان المدينة فإذا لقوه باعدهم وتبرأ منهم ومن مقالتهم مرة بعد مرة ويطلب الكوفيون الزبير فلا يجدونه فأرسلوا إليه حيث هو رسلا فباعدهم وتبرأ من مقالتهم ويطلب البصريون طلحة فإذا لقيهم باعدهم وتبرأ من مقالتهم مرة بعد مرة وكانوا مجتمعين على قتل عثمان مختلفين فيمن يهوون فلما لم يجدوا ممالئا ولا مجيبا جمعهم الشر على أول من أجابهم وقالوا لا نولي احدا من هؤلاء الثلاثة فبعثوا إلى سعد بن أبي وقاص وقالوا إنك من أهل الشورى فرأينا فيك مجتمع فاقدم نبايعك فبعث إليهم إني وابن عمر خرجنا منها فلا حاجة لي فيها على حال وتمثل:
لا تخلطن خبيثات بطيبة
واخلع ثيابك منها وانج عريانا
ثم إنهم أتوا ابن عمر عبد الله فقالوا أنت ابن عمر فقم بهذا الأمر فقال إن لهذا الأمر انتقاما والله لا أتعرض له فالتمسوا غيري فبقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون والأمر أمرهم.
وكانوا إذا لقوا طلحة أبى وقال:
ومن عجب الأيام والدهر أنني
بقيت وحيدا لا أمر ولا أحلي
فيقولون إنك لتوعدنا فيقومون فيتركونه فإذا لقوا الزبير وأرادوه أبى وقال:
متى أنت عن دار بفيحان راحل
وباحتها تخنو عليك الكتائب
فيقولون إنك لتوعدنا فإذا لقوا عليا وأرادوه أبى وقال:
لو أن قومي طاوعتني سراتهم
أمرتهم أمرا يديخ الأعاديا
فيقولون إنك لتوعدنا فيقومون ويتركونه.
ولما كان يوم الخميس على رأس خمسة أيام من مقتل عثمان رضي الله عنه جمعوا أهل المدينة فوجدوا سعدا والزبير خارجين ووجدوا طلحة في حائط له ووجدوا بني أمية قد هربوا إلا من لم يطق الهرب وهرب الوليد وسعيد إلى مكة في أول من خرج وتبعهم مروان وتتابع على ذلك من تتابع فلما اجتمع لهم أهل المدينة قال لهم أهل مصر أنتم أهل الشورى وأنتم تعقدون الإمامة وأمركم عابر على الأمة فانظروا رجلا تنصبونه ونحن لكم تبع فقال الجمهور علي بن أبي طالب نحن به راضون.
المبايعة لعلي بن أبي طالب
فلما أصبحوا من يوم الجمعة حضر الناس المسجد وجاء علي حتى صعد المنبر فقال يا أيها الناس عن ملأ وإذن إن هذا امركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم وقد افترقنا بالأمس على أمر فإن شئتم قعدت لكم وإلا فلا اجد على أحد فقالوا نحن على ما فارقناك عليه بالأمس ……. فقالوا نبايع على إقامة كتاب الله في القريب والبعيد والعزيز والذليل فبايعهم …. -وبايعه طلحة والزبير- ثم قام العامة فبايعوا.
- رواية الطبري في تاريخه ج2 ص 696-697
اختلف السلف من أهل السير في ذلك فقال بعضهم سأل عليا أصحاب رسول الله أن يتقلد لهم وللمسلمين فأبى عليهم فلما أبوا عليه وطلبوا إليه تقلد ذلك لهم
حدثني جعفر بن عبدالله المحمدي قال حدثنا عمرو بن حماد وعلي بن حسين قالا حدثنا حسين عن أبيه عن عبدالملك بن أبي سليمان الفزاري عن سالم بن أبي الجعد الأشجعي عن محمد بن الحنفية قال كنت مع أبي حين قتل عثمان رضي الله عنه فقام فدخل منزله فأتاه أصحاب رسول الله فقالوا إن هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من إمام ولا نجد اليوم أحدا أحق بهذا الأمر منك لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله فقال لا تفعلوا فإني أكون وزيرا خير من أكون أميرا فقالوا لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك قال ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفيا ولا تكون إلا عن رضا المسلمين قال سالم بن أبي الجعد فقال عبدالله بن عباس فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يشغب عليه وأبى هو إلا المسجد فلما دخل دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس
وحدثني جعفر قال حدثنا عمرو وعلي قالا حدثنا حسين عن أبيه عن أبي ميمونة عن أبي بشير العابدي قال كنت بالمدينة حين قتل عثمان رضي الله عنه واجتمع المهاجرون والأنصار فيهم طلحة والزبير فأتوا عليا فقالوا يا أبا حسن هلم نبايعك فقال لا حاجة لي في أمركم أنا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به فاختاروا والله فقالوا ما نختار غيرك قال فاختلفوا إليه بعد ما قتل عثمان رضي الله عنه مرارا ثم أتوه في آخر ذلك فقالوا له إنه لا يصلح الناس إلا بإمرة وقد طال الأمر فقال لهم إنكم قد اختلفتم إلي وأتيتم وإني قائل لكم قولا إن قبلتموه قبلت أمركم وإلا فلا حاجة لي فيه قالوا ما قلت من شيء قبلناه إن شاء الله فجاء فصعد المنبر فاجتمع الناس إليه فقال إني كنت كارها لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم ألا وإنه ليس لي أمر دونكم إلا أن مفاتيح مالكم معي ألا وإنه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم رضيتم قالوا نعم قال اللهم اشهد عليهم ثم بايعهم على لى ذلك قال أبو بشير وأنا يومئذ عند منبر رسول الله قائم أسمع ما يقول.
- رواية البيهقي في الاعتقاد
لمَّا كان أهل الشورى الذين سمَّاهم عمر قد آل أمر الاختيار بينهم إلى رجلين: عثمان وعليّ، ولمَّا استقر الأمر على تقديم عثمان، ولمَّا كان عثمان قد قُتِل غدرا دون أن يستخلف؛ كان الترتيب المنطقي أن تؤول الخلافة إلى علي بن أبي طالب، فقد كان هو أحق الناس بها في ذلك الوقت، ولذا بايعه الصحابة. أخرجه البيهقي في الاعتقاد (ص: 370- 371).
- لوامع الأنوار البهية (2/ 346) للسفاريني
قال الزهري: «لما قُتِل عثمان: برز عليُّ بن أبي طالب للناس ودعاهم إلى البيعة، فبايعه الناس ولم يعدلوا به طلحة ولا غيره، وهذا لأن سائر من بقي من أصحاب الشورى كانوا قد تركوا حقوقهم عند بيعة عثمان، فلم يبق أحد منهم لم يترك حقه إلا علي، وكان قد وفَّى بعهد عثمان حتى قتل، وكان أفضل من بقي من الصحابة، فلم يكن أحد أحقَّ بالخلافة منه، ثم لم يستبد بها مع كونه أحق الناس بها حتى جرت له بيعة، وبايعه مع سائر الناس من بقي من أصحاب الشورى» لوامع الأنوار البهية (2/ 346) للسفاريني.
- فتح الباري (7/ 72)
وقال أبو عبدالله بن بطة: «كانت بيعةُ عليٍّ بيعةَ اجتماع ورحمة، لم يدعُ إلى نفسه، ولم يجبرهم على بيعته بسيفه، ولم يغلبهم بعشيرته، ولقد شرف الخلافة بنفسه، وزانها بشرفه، وكساها حلة البهاء بعدله، ورفعها بعلو قدره، ولقد أباها فأجبروه وتقاعس عنها فأكرهوه» فتح الباري (7/ 72).
- جامع المسائل لابن تيمية (6/ 263- 164)
ولا يُفهم من هذا الكلام أن معاوية بن أبي سفيان وأهل الشام امتنعوا عن مبايعة علي لأنهم يرون معاوية أو غيره أحق بالخلافة، لا، ولكنهم أرادوا الثَّأر أَوَّلاً لدم عثمان قبل مبايعة علي، خاصة معاوية، فهو ابن عم عثمان، ويرى أنه أحق من يطالب بدمه لأنه وليه، ومن هنا نشأ الخلاف، وشبَّت الفتنة بين علي ومعاوية. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «لما طلب علي من معاوية ورعيته أن يبايعوه امتنعوا عن بيعته، ولم يبايعوا معاوية، ولا قال أحد قط: إن معاوية مثل علي، أو إنه أحق من علي بالبيعة، بل الناس كانوا متفقين على أن عليا أفضل وأحق، ولكن طلبوا من علي أن يقيم الحد على قتلة عثمان، وكان علي غير متمكن من ذلك لتفرق الكلمة وانتشار الرعية وقوة المعركة لأولئك، فامتنع هؤلاء عن بيعته، إما لاعتقادهم أنه عاجز عن أخذ حقهم، وإما لتوهمهم محاباة أولئك، فقاتلهم علي لامتناعهم من بيعته، لا لأجل تأمير معاوية» جامع المسائل لابن تيمية (6/ 263- 164).
وهناك روايات أخرى فيها إجبار طلحة والزبير على البيعة ولكنها لا تستقيم سندا أو متنًا مع ما هو معروف من صفات الصحابة ووضوح مواقفهم، وجرأتهم على الافصاح عن مواقفهم وآرائهم.
اقرا أيضًا: بيعة عثمان بن عفان رضي الله عنه ثالث الخلفاء الراشدين
ونود أن نورد الملاحظات التالية:
– بايع أغلب الصحابة الذين في المدينة وبذلك انعقدت البيعة الشرعية لعلي بن أبي طالب.
– لم يذكر علي بن أبي طالب عهدا عن النبي له بالإمامة مما يسقط كل عقائد الشيعة الباطلة في هذا الموضوع.
– تمت البيعة لعلي والثوار الذين قتلوا عثمان بن عفان في المدينة؛ بل وقد قام في أمر البيعة مالك بن الأشتر النخعي ومحمد بن أبي بكر الصديق وهما من زعماء الثوار الذين ألبوا على عثمان إلا أنهما لم بتورطا في قتل عثمان يروي الطبري في تاريخه ج6 ص 702:
واجتمع إلى علي بعد ما دخل طلحة والزبير في عدة من الصحابة فقالوا يا علي إنا قد اشترطنا إقامة الحدود وإن هؤلاء القوم قد اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلوا بأنفسهم فقال لهم يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننان ولا نملكهم.
– حرص بني أمية ممن في المدينة باعتبارهم أولياء دم عثمان الخروج من المدينة، حتى يتشاوروا في كيفية القصاص من قتلة عثمان.
– لم ينكر أحد من الصحابة حق علي بالخلافة، ورفض معاوية وأهل الشام البيعة للقصاص من قتلة عثمان الذين أصبحوا في جيش علي يقاتلون معه.
– روى الإمام مسلم في صحيحه وأحمد وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تفترق أمتي فرقتين فتمرق بينهما مارقة فيقتلها أولى الطائفتين بالحق. هذا لفظ الإمام أحمد. وهذا الحديث له طرق متعددة وألفاظ كثيرة، ومعناه هو ما وقع في خلافة علي رضي الله عنه، حيث خرج الحرورية والخوراج وكفروا علياً رضي الله عنه ومعسكره، ومعاوية رضي الله عنه ومعسكره. فقاتلهم علي رضي الله عنه في النهروان وتغلب عليهم، قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 4/467: فهذا الحديث الصحيح دليل على أن كلا الطائفتين المقتتلتين علي وأصحابه ومعاوية وأصحابه على حق، وأن علياً وأصحابه كانوا أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه.
– تعتبر خلافة علي بن أبي طالب صورة من صور الشورى الكاملة حيث لا يوجد عهد سابق وإنما سار الصحابة في الأمر وطلبوا من علي بن أبي طالب قبول الاستخلاف باعتبار أنه أفضل الصحابة الباقين.