من الثابت تاريخياً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُعين للمسلمين من يقوم بأمر الدولة الإسلامية بعد وفاته، بل لم يحدد الطريقة التي تتبع في اختيار الحاكم بعده، وإنما أوضح القواعد العامة التي يجب أن يراعيها الحاكم في سيرته في الناس، ويبين بسيرته وأقواله المثل العليا التي يجب التمسك بها، والمحافظة عليها من جانب الحاكم والمحكومين على السواء، وأعطى الإسلام فرصة للاجتهاد وفق الأصول والثوابت والقيم والمبادئ، وراعى تغير الزمن والمكان، وتوالي الأجيال، وتقلبات الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وغيرها مما يتحكم في النظام السياسي ويؤثر فيه، ومن ثم ترك الرسول صلى الله عليه وسلم أمر اختيار الحاكم، ونظام الحكم للناس ليقرروا ما يناسب متطلبات الزمان والمكان والظروف المتغيرة، نتطرق اليوم للحديث حول سقيفة بني ساعدة.
اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة
من الثابت في هذه القصة ما رواه البخاري عن عمر بن الخطاب قال: قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ – صلى الله عليه وسلم – إِلاَّ أَنَّ الأَنْصَارَ خَالَفُونَا وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سقيفة بني ساعدة (12 ربيع الأوَّل سنة 11هـ)، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِي وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا، (لانشغالهم بدفن النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته) وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ. فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ. فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلاَنِ صَالِحَانِ، (وهما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي وكانا ممن شهد بدرا ) فَذَكَرَا مَا تَمَالَى عَلَيْهِ الْقَوْمُ، فَقَالاَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ . فَقَالاَ: لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَقْرَبُوهُمُ، اقْضُوا أَمْرَكُمْ . فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ . (وفي الطريق التقوا بأبي عبيدة عامر بن الجراح فذهب معهم) فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: يُوعَكُ . فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلاً تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الإِسْلاَمِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ . فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَكُنْتُ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَي أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِى مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ . فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلاَّ قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا، حَتَّى سَكَتَ. فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلاَّ لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ. فَأَخَذَ بِيَدِي، وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهْوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لاَ يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ ، اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ تُسَوِّلَ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لاَ أَجِدُهُ الآنَ . فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ .
البيعة الخاصة لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة:
فَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ حَتَّى فَرِقْتُ مِنَ الاِخْتِلاَفِ. فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ . فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَتْهُ الأَنْصَارُ ، وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ . فَقُلْتُ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. قَالَ عُمَرُ: وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلاً مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لاَ نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسَادٌ، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلاً عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ يُتَابَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ.
وأما موقف سعد بن عبادة رضي الله عنه، فيوضحه ما رواه حميد بن عبد الرحمن قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في طائفة من المدينة، فجاء فكشف عن وجهه فقبله وقال: فداك أبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا، مات محمد صلى الله عليه وسلم ورب الكعبة ـ فذكر الحديث قال : ـ فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان حتى أتوهم، فتكلم أبو بكر ولم يترك شيئا أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا وذكره. وقال: ولقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا سلكت وادي الأنصار” ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: “قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم”. فقال له سعد: صدقت، نحن الوزراء وأنتم الأمراء.
قال الهيثمي في (مجمع الزوائد): رواه أحمد – وفي الصحيح طرف من أوله – ورجاله ثقات، إلا أن حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أبا بكر. اهـ. وقال الشيخ الأرنؤوط وغيره من محققي المسند: صحيح لغيره، رجاله ثقات رجال الشيخين، وهو مرسل. اهـ.
وقد بوَّب عليه ابن كثير في (السيرة النبوية): باب: ذكر اعتراف سعد بن عبادة بصحة ما قاله الصديق يوم السقيفة. فذكره، ثم نقل بإسناد أحمد أيضا عن رافع الطائي رفيق أبي بكر الصديق في غزوة ذات السلاسل، قال: وسألته عما قيل في بيعتهم. فقال: وهو يحدثه عما تقاولت به الأنصار وما كلمهم به، وما كلم به عمر بن الخطاب الأنصار، وما ذكرهم به من إمامتي إياهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه. فبايعوني لذلك، وقبلتها منهم، وتخوفت أن تكون فتنة بعدها ردة. ثم قال: وهذا إسناد جيد قوي.
ومعنى هذا أنه رضي الله عنه إنما قبل الإمامة تخوفا أن تقع فتنة أربى من تركه قبولها رضي الله عنه وأرضاه .. وكان هذا في بقية يوم الاثنين،
البيعة العامة في المسجد في اليوم التالي
فلما كان الغد صبيحة يوم الثلاثاء اجتمع الناس في المسجد فتمت البيعة من المهاجرين والأنصار قاطبة، وكان ذلك قبل تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وأما مقالة الأنصار: “منا أمير ومنكم أمير” فقال ابن حجر في (فتح الباري): قال ابن التين: إنما قالت الأنصار “منا أمير ومنكم أمير” على ما عرفوه من عادة العرب أن لا يتأمر على القبيلة إلا من يكون منها، فلما سمعوا حديث “الأئمة من قريش” رجعوا عن ذلك وأذعنوا.
فوائد حادثة سقيفة بني ساعدة
– تطبيق عملي للشورى بين المسلمين.
– حرية التعبير عن الرأي وتقديم الحجج والأدلة التي تؤيد رأيك.
– تأكيد على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لعائشة ويأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر.
– عدم وجود عهد أو كتاب باستخلاف أي أحد من المسلمين.
موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أنَّ فاطِمَةَ عليها السَّلامُ بنْتَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أرْسَلَتْ إلى أبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيراثَها مِن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ممَّا أفاءَ اللَّهُ عليه بالمَدِينَةِ، وفَدَكٍ، وما بَقِيَ مِن خُمُسِ خَيْبَرَ، فقالَ أبو بَكْرٍ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: لا نُورَثُ، ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ، إنَّما يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في هذا المالِ، وإنِّي واللَّهِ لا أُغَيِّرُ شيئًا مِن صَدَقَةِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن حالِها الَّتي كانَ عليها في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَأَعْمَلَنَّ فيها بما عَمِلَ به رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فأبَى أبو بَكْرٍ أنْ يَدْفَعَ إلى فاطِمَةَ مِنْها شيئًا، فَوَجَدَتْ فاطِمَةُ علَى أبِي بَكْرٍ في ذلكَ، فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حتَّى تُوُفِّيَتْ، وعاشَتْ بَعْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سِتَّةَ أشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَها زَوْجُها عَلِيٌّ لَيْلًا، ولَمْ يُؤْذِنْ بها أبا بَكْرٍ وصَلَّى عليها، وكانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ حَياةَ فاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فالْتَمَسَ مُصالَحَةَ أبِي بَكْرٍ ومُبايَعَتَهُ، ولَمْ يَكُنْ يُبايِعُ تِلكَ الأشْهُرَ، فأرْسَلَ إلى أبِي بَكْرٍ: أنِ ائْتِنا، ولا يَأْتِنا أحَدٌ معكَ؛ كَراهيةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ، فقالَ عُمَرُ: لا واللَّهِ لا تَدْخُلُ عليهم وحْدَكَ، فقالَ أبو بَكْرٍ: وما عَسَيْتَهُمْ أنْ يَفْعَلُوا بي؟! واللَّهِ لآتِيَنَّهُمْ، فَدَخَلَ عليهم أبو بَكْرٍ، فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، فقالَ: إنَّا قدْ عَرَفْنا فَضْلَكَ وما أعْطاكَ اللَّهُ، ولَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا ساقَهُ اللَّهُ إلَيْكَ، ولَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عليْنا بالأمْرِ، وكُنَّا نَرَى لِقَرابَتِنا مِن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَصِيبًا. حتَّى فاضَتْ عَيْنَا أبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ قالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَقَرابَةُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحَبُّ إلَيَّ أنْ أصِلَ مِن قَرابَتِي، وأَمَّا الذي شَجَرَ بَيْنِي وبيْنَكُمْ مِن هذِه الأمْوالِ، فَلَمْ آلُ فيها عَنِ الخَيْرِ، ولَمْ أتْرُكْ أمْرًا رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْنَعُهُ فيها إلَّا صَنَعْتُهُ، فقالَ عَلِيٌّ لأبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ العَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ، فَلَمَّا صَلَّى أبو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ علَى المِنْبَرِ، فَتَشَهَّدَ، وذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وتَخَلُّفَهُ عَنِ البَيْعَةِ، وعُذْرَهُ بالَّذِي اعْتَذَرَ إلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، فَعَظَّمَ حَقَّ أبِي بَكْرٍ، وحَدَّثَ: أنَّه لَمْ يَحْمِلْهُ علَى الذي صَنَعَ نَفاسَةً علَى أبِي بَكْرٍ، ولا إنْكارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ به، ولَكِنَّا نَرَى لنا في هذا الأمْرِ نَصِيبًا، فاسْتَبَدَّ عَلَيْنا، فَوَجَدْنا في أنْفُسِنا. فَسُرَّ بذلكَ المُسْلِمُونَ، وقالوا: أصَبْتَ، وكانَ المُسْلِمُونَ إلى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ راجَعَ الأمْرَ المَعْرُوفَ.
تدل هذه الرواية على ما يلي:
– اعتراف علي وفاطمة رضي الله عنهما بخلافة أبي بكر وأن له الأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك سألاه عن ميراث فاطمة.
– اعتراف علي بأحقية أبي بكر في الخلافة وأن عتبه هو عدم استشارته في الأمر.
– أنه لا توجد وصية أو كتابا أو عهدا لعلي وإلا فكيف يقبل ويرضى وعنده عهد من النبي بالإمامة والخلافة، ولو أنه ذكر أن لديه عهدا لتنازل له أبا بكر مباشرة، فلم يكن حريصا على الخلافة قدر حرصه على اجتماع أمر المسلمين.
– من العار والعيب أن يدعي أحدا أن علي خاف على افتراق كلمة المسلمين، فلو كانت الإمامة ركن من أركان الدين كما يقول الشيعة فلا يجوز لعلي رضي الله عنه اخفاء هذا البيان وقت الحاجة، ولو وجد مثل هذا الكتاب لأبرزه عليّ رضي الله عنه وتنازل له أبا بكر عن الخلافة، وهل عليًّا حاشاه جبانًا وخاصة في أمر من أمور الدين.
– والغريب أنه بعد وفاة أبا بكر وعمر وعثمان لم يبرز علي هذا الكتاب، فلو قبلنا جدلا أنه خاف على افتراق كلمة المسلمين فلماذا لم يطالب بالخلافة بعد وفاة أبي بكر.
الصحابي سعد بن عبادة الوحيد الذي لم يبايع أبا بكر:
ولا يشترط لصحة بيعة أبي بكر بيعة جميع المسلمين، وقد اعتزل سعد وسكن الشام وتوفى في معتسله رحمه الله ولم يبايع حتى عمر بن الخطاب.