الشورى والوراثة

الشورى والوراثة

بدأنا حلقات هذه السلسة (معركة الخلافة) للحديث حول المعارك والفتن التي وقعت بين المسلمين بسبب تحول الخلافة إلى مُلك وراثي، اليوم موعدنا مع أولى حلقات معركة الخلافة لفهم المواقف التاريخية المختلفة حول الشورى والوراثة.

ملاحظة: ندرس في هذا البحث مسألة الخلافة الإسلامية، مع اعترافنا أن الواقع الحالي بين المسلمين يوضح أن الحكم الملكي الوراثي أرحم وأفضل قياسًا بالأنظمة الديكتاتورية الأخرى.

صفات الخليفة والشورى

لفهم المواقف التاريخية للعلماء والقادة السياسيين في مجتمع يسوده الدين لا بد من استعراض هذه المسائل: الشورى، والوراثة والخروج ونظرات الفقهاء إليها لأن الموقف السياسي سيُبنى بلا شك على الموقف الفقهي.

وليس المقصود هو بحث فقهي، لكننا سنتطرق إلى مواقف الصحابة والتابعين الفقهية لفهم مواقفهم السياسية دون الدخول في التفريعات وسأكتفي فقط باستعراض الآراء المختلفة.

يستنبط الفقهاء من مجموع الأحاديث النبوية ومن فترة الخلفاء الراشدين صفات الخليفة المنتخب وهي ثمانية صفات: الإسلام ،الذكورة، التكليف ، العلم ، العدالة ، الكفاية ، السلامة ، القرشية.[1]

الطريق الشرعي لاختيار الخليفة: الشورى

من مفهوم الشورى، واستعراض صور تطبيقها في عهد الخلفاء الراشدين استنبط العلماء شروطاً محددة لكيفية اختيار الخليفة، وهذه الصور هي: [2]

الصورة الأولى:

بيعة أبي بكر رضي الله عنه وهذه أوضح صورة لتطبيق معاني الشورى والحرية والانتخاب ففي سقيفة بني ساعدة تم انتخاب أبي بكر ، ثم كانت البيعة العامة في المسجد.

الصورة الثانية:

بعد مشاورات أجراها أبو بكر مع أهل الحل والعقد تذكر كتب التاريخ منهم عثمان بن عفان ، عبد الرحمن بن عوف، أسيد بن  حضير وغيرهم استخلف أبو بكر عمر بن الخطاب ، وفي هذا يقول ابن تيمية: “إن عمراً إنما صار إماماً بمبايعة الناس له لا بمجرد عهد أبي بكر بالخلافة”. إذن قضية الاستخلاف لا تجبر الأمة على الانتخاب إنما هو ترشيح فقط. (انظر منهاج السنة النبوية لابن تيمية)

الصورة الثالثة:

رشح عمر بن الخطاب أكفأ ستة في الصحابة وهم الذين مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وضم ابنه عبد الله للترشيح فقط ولا ينتخب ، ورضيت الأمة وأهل الحل والعقد بهذا الترشيح وانتخبت عثمان بن عفان.

الصورة الرابعة:

بعد مقتل عثمان رضي الله عنه بايع أهل الحل والعقد علي بن أبي طالب، وعندما جاءه الثوار عرضوا عليه البيعة فأبى إلا أن تكون البيعة في المسجد، فما بايعه الناس إلا في المسجد، وهو نفس أسلوب مبايعة أهل الحل والعقد في المدينة لابنه الحسن بعد مقتل أبيه رضي الله عنهما، والذي تنازل لمعاوية فيما سماه المسلمون عام الجماعة، وهو تأكيد لقول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن:  ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين (صحيح البخاري حديث رقم 6692)

نلاحظ من استعراض هذه الصور أن الخلفاء لم يخرجوا عن قاعدة الشورى وإعطاء الأمة الحرية الكاملة للاختيار، ويلاحظ كذلك أن البيعة بيعتان هما بيعة خاصة وهي لأهل الحل والعقد ثم بيعة العامة ونحن لا نلزم الأمة في جميع العصور بهذه الطريقة ولكن يمكن أن تتغير الطريقة عبر الاستفادة من تجارب الحكم التي مرت بالمسلمين، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد طريقة معينة، والصحابة فهموا الدين من الرسول وطبقوا فهمهم، ونلاحظ أهمية توفر الشورى ورضاء أهل الحل والعقد لأنهم هم الذين يمثلون الأمة.

ولاية العهد

اختلف العلماء في هذه المسألة فيرى أبو يعلى في الأحكام السلطانية أنها لا تجوز لأنها ليست من حقوق الخليفة السابق. ويقول :”لأن الإمامة لا تنعقد للمعهود إليه بنفس العهد، وإنما تنعقد بعهد المسلمين”.

وهذا هو رأي ابن تيمية المفهوم من قوله : “إن عمراً إنما صار إماما بمبايعة الناس له لا بمجرد عهد أبي بكر بالخلافة”.

أما الماوردي فيرى أنها تجوز، وهي جزء من حقوق خلافة الإمام وأمره في شؤونها نافذ لا مرد له.[3]

وهذا الرأي فتح على المسلمين مسألة التوارث وتفضيل القبيلة، مما فتح باب الفتن وأراق دم المسلمين.

وعلى ذلك يمكننا تقرير أن حق الخليفة السابق هو الترشيح فحسب ثم يجب رضا الجمهور وبيعتهم للخليفة وذلك قائم على الأكثرية ولا يقدح في الأمر شذوذ من خالف.

الاستيلاء والتغلب

وعالج الفقهاء موضوع الاستيلاء والتغلب وفرض السلطان بالقهر والغلبة وأجاز أكثرهم إمامة المتغلب دراً للفتنة وشق الصف وإراقة الدماء وبعضهم لم يجزه، ولا شك أنه لا توجد أدلة صريحة تجيز هذا النوع من الحكومات، وقد حدث التأصيل الفقهي والنظري لهذا الموضوع في العصور الإسلامية اللاحقة واعتقد أن الذي دفع بعض العلماء للقول بهذا الرأي هو تطور الظروف السياسية وخوف الفتن وإراقة الدماء بين المسلمين.[4]

***

للتعرف على المصادر والمراجع الخاصة بحلقات معركة الخلافة، الرجاء الضغط هنا.

إعداد: أحمد العبد الجليل

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *