مقتل عبد الله بن الزبير

مقتل عبد الله بن الزبير

بدأنا حلقات هذه السلسة (معركة الخلافة) للحديث حول المعارك والفتن التي وقعت بين المسلمين بسبب تحول الخلافة إلى مُلك وراثي، واليوم موعدنا مع تاسع حلقات معركة الخلافة حول مقتل عبد الله بن الزبير.

ملاحظة: ندرس في هذا البحث مسألة الخلافة الإسلامية، مع اعترافنا أن الواقع الحالي بين المسلمين يوضح أن الحكم الملكي الوراثي أرحم وأفضل قياسًا بالأنظمة الديكتاتورية الأخرى.

يُتبع… (عبد الله بن الزبير)

تطورات الموقف في الشام (1)

في سنة 69هـ هو خالف عمرو بن سعيد عبد الملك بن مروان وغلب على دمشق ولكن عبد الملك استطاع إخضاعه وقتله. ثم وضع السيف فقتل من خالفه فصفى له الشام وعندها أجمع المسير إلى مصعب بن الزبير في العراق.

وفي سنة 71 هـ عزم على المسير إلى العراق وقال لمستشاريه ما رأيكم، فقال يحيى بن الحكم بن أبي العاص عمه بأن يقنع بالشام ويترك ابن الزبير والعراق، فرفض ذلك.

وقال بعضهم إن العام جدب وقد غزوت سنتين فلم تظفر فأقم عامك هذا. قال: عبد الملك الشام بلد قليل المال ولا آمن نفاذه وقد كتب كثير من أشراف العراق يدعونني إليهم، وعندها قال أخوه محمد بن مروان: الرأي أن تطلب حقك وتسير إلى العراق فإني أرجو أن الله ينصرك.

أهل العراق وغدرهم (2)

ولما علم مصعب بمسير عبد الملك، أحضر المهلب بن أبي صفرة واستشاره فقال له : اعلم أن أهل العراق قد كاتبوا عبد الملك وكاتبهم فلا تبعدني عنك ولكن وجهه لحرب الخوارج .

ولما تقابل العسكران بدأت الكتب تتوالى بين العسكرين بين عبد الملك وأهل العراق وعندها قال مصعب رحم الله: أبا بحر – يعني الأحنف بن قيس – إن كان ليحذرني غدر أهل العراق ويقول هم كالمومسة، تريد كل يوم بعلاً وهم يريدون كل يوم أميراً.

ولما تدانى العسكران بعث عبد الملك إلى مصعب أن يتركا الدعاء لأخيه وله ويجعلوها شورى بين المسلمين فرفض مصعب وقال: السيف بيننا، ولو صح هذا الخبر، فإن مصعب كان يعتقد أن أخاه خليفة بمبايعة المسلمين وهو كذلك فكيف يخلعه، ثم لا يأمن أن تكون خديعة من عبد الملك.

الملك عقيم(3)

ودارت المعركة وتفرق الناس عن مصعب حتى لم يبق معه إلا 7 أنفس ـ وقتل بدير الجاثليق عند نهر دجيل فأمر عبد الملك به وبابنه عيسى وقال: كانت الحرمة بيننا قديمة ولكن الملك عقيم. وعندما قتل مصعب صفا العراق لعبد الملك ثم بعث لابن خازم يطلب منه البيعة ويطمعه خراسان 7 سنين فرفض ثم كتب عبد الملك إلى بكير بن وساج وكان خليفة ابن خازم على مرو بعهده إلى خراسان فخلع بكير عبد الله بن الزبير ودعا إلى عبد الملك (4).

وبذلك لم يعد لعبد الملك إلا ابن الزبير في مكة فبعث  له الحجاج بن يوسف في عشرين ألفا، وتحصن ابن الزبير بالحرم.

مقتل عبد الله بن الزبير رحمه الله

واستمر الحجاج في حصاره لابن الزبير من جمادى الآخرة سنة 72 هـ حتى مقتله في سنة 73 هـ أي سبعة أشهر، فغلت الأسعار(5) عند ابن الزبير وأصاب الناس مجاعة شديدة حتى ذبح فرسه وقسم لحمها في أصحابه وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم، ومد الذرة بعشرين درهما. وإن بيوت عبد الله بن الزبير لمملوءة قمحاً وشعيراً وذرة وتمراً، وكان أهل الشام ينتظرون فناء ما عنده، وكان يحفظ ذلك لا ينفق منه إلا ما يمسك الرمق ويقول: أنفس أصحابي قوية ما لم يفن.

ولما حصر الحجاج ابن الزبير نصب المنجنيق على أبي قبيس (6) ورمى به معسكر عبدالله بن الزبير، وكان عبد الملك ينكر ذلك أيام يزيد ثم أمر به فكان الناس يقولون: خذل في دينه. وحج ابن عمر تلك السنة فأرسل إلى الحجاج أن اتق الله واكفف هذه الحجارة عن الناس فإنك في شهر حرام وبلد حرام وقد قدمت وفود الله من أقطار الأرض ليؤدوا فريضة الله ويزدادوا خيراً ففعل وتوقف الضرب حتى فرغ الناس من طواف الزيارة ولم يمنع ابن الزبير الحاج من الطواف والسعي.

ودخل ابن الزبير على أمه بعد أن خذله أصحابه يشكو لها خذلان الناس له ويستشيرها فيما يعرضون عليه وقالت له: “إن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك ومن قتل معك وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين كم خلودك في الدنيا القتل أحسن”، قال: أخاف إن قتلني أهل الشام أن يمثلوا بي ويصلبوني، قالت: يا بني إن الشاة إذا ذبحت لا تتألم بالسلخ فامض على بصيرتك واستعن بالله” (7) .

ثم قاتل حتى قتل فكبر أهل الشام فرحاً بقتله فقال ابن عمر: انظروا إلى هؤلاء ولقد كبر المسلمون فرحا بولادته وهؤلاء يكبرون فرحاً بقتله، ولقد فرح (8) المسلمون بولادته لأن اليهود كانوا يقولون سحرناهم فلا يولد لهم ولد، وكان أول مولود للمهاجرين بعد الهجرة، وحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة لاكها وسماه عبد الله.

ثم صلبه الحجاج على الثنية بالحجون وكان عبد الله بن عمر بن الخطاب عندما يمر به يقول: (9) “السلام عليك يا أبا خبيب أما والله كنت أنهاك عن هذا ولقد كنت صواماً قواماً وصولاً للرحم، أما والله إن قوماً أنت شرهم لنعم القوم”.

وذكر مسلم في صحيحه أن عبد الله بن الزبير دفن في مقابر اليهود.

مواقف الصحابة وغيرهم

وبذلك انتهت هذه الخلافة التي دامت تسع سنين ونستعرض الآن بعض مواقف الصحابة وغيرهم منها:

1-عبد الله بن عباس:

مع أن الروايات تشير إلى بيعة ابن عباس ليزيد، لكن عندما ثار ابن الزبير وقتل الحسين امتنع ابن عباس عن بيعة الأثنين وطلب ابن الزبير بيعة ابن عباس فرفض وظن يزيد أن ذلك تمسكا ببيعته له فبعث له كتابا يشكره ويطلب منه تخذيل الناس فرد عليه ردا غليظا وذكره بقتل الحسين وعلل رفضه بأنه حتى يجتمع الناس، وكذلك كان موقف محمد بن الحنفية (10).

2-محمد بن الحنفية وقال أبى البيعة واضطهده ابن الزبير وحجته نفس حجة ابن عباس بدليل أنه بايع عبد الملك بن مروان عندما استقامت له الأمور .

3-عبد الله بن عمر (11):

قال ابن حجر في فتح الباري أن ابن عمر سأل عن الفئة الباغية قال ابن الزبير بغى على هؤلاء القوم يعني بني أمية فأخرجهم من ديارهم ونكث عهدهم .

4-أبو برزة الأسلمي(12) :

كان يرى أن الذي في الشام يقاتل على الدنيا ، وابن الزبير يقاتل على الدين.

5-سعيد بن المسيب:

قال لا أبايع حتى يجتمع الناس وأما العلماء المتأخرين(13) فإنهم يجمعون على صحة خلافة ابن الزبير وبطلان خلافة مروان وصحة خلافة عبد الملك بن مروان بعد استشهاد عبد الله بن الزبير سنة 73هـ.

أما الشيخ محمد الخضري (14) فيحمل ابن الزبير معظم تبعات حصار مكة ويشن الدكتور أحمد الشلبي(15) حملة ظالمة على ابن الزبير ويتهمه بحب الرئاسة ويشكك في أخلاقياته حيث يتهمه بدفع عائشة إلى معركة الجمل  ، ويؤكد تهمة دفعه للحسين إلى الخروج ويتهمه بالأنانية ، ويتهمه بالجبن عندما حاول أن يستسلم للحجاج لولا موقف أمه . ولذلك فهو مسؤول عن الدماء التي أراقها ليحقق لنفسه حلماً وليبني لنفسه مجداً.

تساؤلات

لم أفهم سبب امتناع ابن عباس عن بيعة ابن الزبير وهل كان يزيد في اجتماع من الناس ولم يكن في فتنة، ثم ألم يبايع معظم الأمصار لابن الزبير ، فلماذا لم يعتبر ابن عمر ومحمد بن الحنفية وابن عباس أن الذين خرجوا على ابن الزبير هم البغاة ، وحتى لو خرج ابن الزبير على يزيد ، فلقد هلك يزيد ، وبويع لابن الزبير . ولماذا إذا بايع أنس بن مالك ، وهذه التساؤلات تسقط حجة القائلين بوجوب طاعة الإمام المتغلب فلقد تغلب ابن الزبير وصحابة كبار لم يبايعوا .

ولسنا مع د. أحمد شلبي في حملته الظالمة التي تنقصها الدقة العلمية ،وينقصها الموضوعية فإنه يتهم ابن الزبير بالجبن الذي شهد له أعداءه بالشجاعة، ثم لماذا لم يستعمل مع ابن الزبير ومن خالفه أحكام البغاة، وأحكام الأئمة المتغلبين ولا أظن ذلك إلا تطرفاً في مواجهة الشيعة وتطرفهم ضد بني أمية.

وهكذا انتهت أشرس حرب من معارك الخلافة بعد أن بقي ابن الزبير يجاهد ويقاوم 9 سنين سقط على أثرها شهيداً رحمه الله.

***

للتعرف على المصادر والمراجع الخاصة بحلقات معركة الخلافة، الرجاء الضغط هنا.

إعداد: أحمد العبد الجليل

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *