ردة الأسود العنسي وادعائه النبوة

الأسود العنسي

من هو الأسود العنسي

اسمه عبهلة بن كعب بن غوث من بلد يقال لها: كهف حنان في سبعمائة مقاتل وكتب إلى عمال النبي ﷺ أيها المتمردون علينا أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه، ثم ركب فتوجه إلى نجران فأخذها بعد عشر ليال من مخرجه، ثم قصد إلى صنعاء فخرج إليه شهر بن باذام فتقاتلا فغلبه الأسود وقتله، وكسر جيشه من الأبناء، واحتل بلدة صنعاء لخمس وعشرين ليلة من مخرجه، ففر معاذ بن جبل من هنالك، واجتاز بأبي موسى الأشعري فذهبا إلى حضرموت، وانحاز عمال رسول الله ﷺ إلى الطاهر، ورجع عمر بن حرام وخالد بن سعيد بن العاص إلى المدينة، واستوثقت اليمن بكمالها للأسود العنسي، وجعل أمره يستطير استطارة الشرارة، وكان جيشه يوم لقي شهرا سبعمائة فارس، وأمراؤه قيس بن عبد يغوث، ومعاوية ابن قيس، ويزيد بن محرم بن حصن الحارثي، ويزيد بن الأفكل الأزدي، واشتد ملكه واستغلظ أمره، وارتد خلق من أهل اليمن، وعامله المسلمون الذين هناك بالتقية، وكان خليفته على مذحج عمرو بن معدي كرب، وأسند أمر الجند إلى قيس بن عبد يغوث، وأسند أمر الأبناء إلى فيروز الديلمي وداذويه، وتزوج بامرأة شهر بن باذام وهي ابنة عم فيروز الديلمي واسمها زاذ، وكانت امرأة حسناء جميلة وهي مع ذلك مؤمنة بالله ورسوله محمد ﷺ ومن الصالحات،

صدور الأمر النبوي باغتيال الأسود العنسي

قال سيف بن عمر التميمي: وبعث رسول الله ﷺ كتابه حين بلغه خبر الأسود العنسي مع رجل يقال له: وبر بن يحنس الديلمي يأمر المسلمين الذين هناك بمقاتلة الأسود العنسي ومصاولته، وقام معاذ بن جبل بهذا الكتاب أتم القيام، وكان قد تزوج امرأة من السكون يقال لها: رملة، فحزبت عليه السكون لصبره فيهم، وقاموا معه في ذلك، وبلغوا هذا الكتاب إلى عمال النبي ﷺ ومن قدروا عليه من الناس، واتفق اجتماعهم بقيس بن عبد يغوث أمير الجند، وكان قد غضب على الأسود واستخف به وهم بقتله، وكذلك كان أمر فيروز الديلمي قد ضعف عنده أيضا وكذا داوذيه، فلما أعلم وبر بن نحيس قيس بن عبد يغوث وهو قيس بن مكشوح كان كأنما نزلوا عليه من السماء، ووافقهم على الفتك بالأسود، وتوافق المسلمون على ذلك وتعاقدوا عليه.

فلما أيقن ذلك في الباطن اطلع شيطان الأسود للأسود على شيء من ذلك، فدعا قيس بن مشكوح فقال له: يا قيس ما يقول هذا؟

قال: وما يقول؟

قال: يقول: عمدت إلى قيس فأكرمته حتى إذا دخل منك كل مدخل وصار في العز مثلك، مال ميل عدوك وحاول ملكك، وأضمر على الغدر، إنه يقول: يا أسود يا أسود، يا سوآه يا سوآه، فطف به وخذ من قيس أعلاه وإلا سلبك وقطف رقبتك.

فقال له قيس وحلف له فكذب: وذي الخمار لأنت أعظم في نفسي، وأجل عندي من أن أحدث بك نفسي.

فقال له الأسود: ما أخالك تكذب الملك فقد صدق الملك، وعرف الآن أنك تائب عما اطلع عليه منك.

ثم خرج قيس من بين يديه فجاء إلى أصحابه فيروز وداوذيه وأخبرهم بما قال له ورد عليه.

فقالوا: إنا كلنا على حذر فما الرأي؟ فبينما هم يشتورون إذ جاءهم رسوله فأحضرهم بين يديه.

فقال: ألم أشرفكم على قومكم؟

قالوا: بلى.

قال: فماذا يبلغني عنكم؟

فقالوا: أقلنا مرتنا هذه.

فقال: لا يبلغني عنكم فأقيلكم.

قال: فخرجنا من عنده ولم نكد وهو في ارتياب من أمرنا، ونحن على خطر فبينما نحن في ذلك إذ جاءتنا كتب من عامر بن شهر أمير همدان، وذي ظليم، وذي كلاع وغيرهم من أمراء اليمن يبذلون لنا الطاعة والنصر على مخالفة الأسود، وذلك حين جاءهم كتاب رسول الله ﷺ يحثهم على مصاولة الأسود العنسي، فكتبنا إليهم أ لا يحدثوا شيئا حتى نبرم الأمر.

قال قيس: فدخلت على امرأته

ازاذ فقلت: يا ابنة عمي قد عرفت بلاء هذا الرجل عند قومك قتل زوجك، وطأطأ في قومك القتل، وفضح النساء فهل عندك ممالأة عليه؟

قالت: على أي أمر؟

قلت: إخراجه.

قالت: أو قتله؟

قلت: أو قتلة.

قالت: نعم والله ما خلق الله شخصا هو أبغض إلي منه فما يقوم لله علي حق ولا ينتهي له عن حرمة فإذا عزمتم أخبروني أعلمكم بما في هذا الأمر.

قال: فأخرج، فإذا فيروز وداوذيه ينتظراني يريدون أن يناهضوه فما استقر اجتماعه بهما حتى بعث إليه الأسود فدخل في عشرة من قومه.

فقال: ألم أخبرك بالحق، وتخبرني بالكذابة إنه يقال: يا سوأة يا سوأة، إن لم تقطع من قيس يده يقطع رقبتك العليا حتى ظن قيس أنه قاتله.

فقال: إنه ليس من الحق أن أهلك وأنت رسول الله، فقتلي أحب إلي من موتات أموتها كل يوم، فرق له وأمره بالإنصراف، فخرج إلى أصحابه فقال: اعملوا عملكم، فبينما هم وقوف بالباب يشتورون، إذ خرج الأسود عليهم وقد جمع له مائة ما بين بقرة وبعير، فقام وخط وأقيمت من ورائه، وقام دونها فنحرها غير محبسة ولا معلقة ما يقتحم الخط منها شيء، فجالت إلى أن زهقت أرواحها.

قال قيس: فما رأيت أمرا كان أفظع منه ولا يوما أوحش منه.

ثم قال الأسود: أحق ما بلغني عنك يا فيروز؟ لقد هممت أن أنحرك فألحقك بهذه البهيمة، وأبدى له الحربة.

فقال له فيروز: اخترتنا لصهرك، وفضلتنا على الأبناء، فلو لم تكن نبيا ما بعنا نصيبنا منك بشيء، فكيف وقد اجتمع لنا بك أمر الآخرة والدنيا فلا تقبل علينا أمثال ما يبلغك فإنا بحيث تحب.

فرضي عنه وأمره بقسم لحوم تلك الأنعام، ففرقها فيروز في أهل صنعاء ثم أسرع اللحاق به.

فإذا رجل يحرضه على فيروز ويسعى إليه فيه، واستمع له فيروز، فإذا الأسود يقول: أنا قاتله غدا وأصحابه، فاغد علي به، ثم التفت فإذا فيروز فقال: مه، فأخبره فيروز بما صنع من قسم ذلك اللحم فدخل الأسود داره، ورجع فيروز إلى أصحابه فأعلمهم بما سمع، وبما قال، وقيل له،

فكرة حفر النفق لتجاوز الحراسة المشددة حسب اقتراح امرأة الأسود العنسي

فاجتمع رأيهم على أن عاودوا المرأة في أمره، فدخل أحدهم – وهو فيروز – إليها، فقالت: إنه ليس من الدار بيت إلا والحرس محيطون به غير هذا البيت، فإن ظهره إلى مكان كذا وكذا من الطريق، فإذا أمسيتم فانقبوا عليه من دون الحرس، وليس من دون قتله شيء، وإني سأضع في البيت سراجا وسلاحا، فلما خرج من عندها تلقاه الأسود فقال له: ما أدخلك على أهلي؟ ووجأ رأسه، وكان الأسود شديدا فصاحت المرأة فأدهشته عنه، ولولا ذلك لقتله، وقالت: ابن عمي جاءني زائرا.

فقال: اسكتي لا أبالك قد وهبته لك.

فخرج على أصحابه فقال: النجاء النجاء وأخبرهم الخبر، فحاروا ماذا يصنعون، فبعثت المرأة إليهم تقول لهم: لا تنثنوا عما كنتم عازمين عليه، فدخل عليها فيروز الديلمي فاستثبت منها الخبر، ودخلوا إلى ذلك البيت فنقبوا داخله بطائن ليهون عليهم النقب من خارج، ثم جلس عندها

جهرة كالزائر فدخل الأسود فقال: وما هذا؟

فقالت: إنه أخي من الرضاعة، وهو ابن عمي، فنهره وأخرجه فرجع إلى أصحابه، فلما كان الليل نقبوا ذلك البيت فدخلوا، فوجدوا فيه سراجا تحت جفنة، فتقدم إليه فيروز الديلمي والأسود نائم على فراش من حرير قد غرق رأسه في جسده، وهو سكران يغط، والمرأة جالسة عنده، فلما قام فيروز على الباب أجلسه شيطانه وتكلم على لسانه – وهو مع ذلك يغط – فقال: مالي ومالك يا فيروز؟

فخشي إن رجع يهلك وتهلك المرأة فعاجله وخالطه وهو مثل الجمل فأخذ رأسه فدق عنقه، ووضع ركبتيه في ظهره حتى قتله، ثم قام ليخرج إلى أصحابه ليخبرهم فأخذت المرأة بذيله وقالت: أين تذهب عن حرمتك فظنت أنها لم تقتله، فقال: أخرج لأعلمهم بقتله، فدخلوا عليه ليحتزوا رأسه، فحركه شيطانه فاضطرب، فلم يضبطوا أمره حتى جلس اثنان على ظهره، وأخذت المرأة بشعره، وجعل يبربر بلسانه فاحتز الآخر رقبته، فخار كأشد خوار ثور سمع قط، فابتدر الحرس إلى المقصورة فقالوا: ما هذا؟ ما هذا؟

فقالت المرأة: النبي يوحي إليه، فرجعوا، وجلس قيس داذويه وفيروز يأتمرون كيف يعلمون أشياعهم، فاتفقوا على أنه إذا كان الصباح ينادون بشعارهم الذي بينهم وبين المسلمين، فلما كان الصباح قام أحدهم وهو قيس على سور الحصن فنادى بشعارهم فاجتمع المسلمون والكافرون حول الحصن، فنادى قيس، ويقال: وبر بن يحنش الأذان أشهد أن محمدا رسول الله، وأن عبهلة كذاب وألقى إليهم رأسه، فانهزم أصحابه وتبعهم الناس يأخذونهم، ويرصدونهم في كل طريق يأسرونهم، وظهر الإسلام وأهله، وتراجع نواب رسول الله ﷺ إلى أعمالهم، وتنازع أولئك الثلاثة في الإمارة، ثم اتفقوا على معاذ ابن جبل يصلي بالناس، وكتبوا بالخبر إلى رسول الله ﷺ وقد أطلعه الله على الخبر من ليلته.

كما قال سيف بن عمر التميمي: عن أبي القاسم الشنوي، عن العلاء بن زيد، عن ابن عمر أتى الخبر إلى النبي ﷺ من السماء الليلة التي قتل فيها العنسي ليبشرنا فقال: « قتل العنسي البارحة قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين ».

قيل: ومن؟

قال: « فيروز، فيروز ».

وقد قيل: إن مدة ملكه منذ ظهر إلى أن قتل ثلاثة أشهر، ويقال: أربعة أشهر فالله أعلم.

وقال سيف بن عمر: عن المستنير، عن عروة، عن الضحاك، عن فيروز قال: قتلنا الأسود وعاد أمرنا في صنعاء كما كان إلا أنا أرسلنا إلى معاذ بن جبل فتراضينا عليه فكان يصلي بنا في صنعاء، فوالله ما صلى بنا إلا ثلاثة أيام حتى أتانا الخبر بوفاة رسول الله ﷺ فانتقضت الأمور وأنكرنا كثيرا مما كنا نعرف واضطربت الأرض.

 

اقرأ أيضًا: الرجل الأشد خطرًا على الإسلام

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *