ولاية العهد ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان

معاوية بن أبي سفيان

بدأنا حلقات هذه السلسة (معركة الخلافة) للحديث حول المعارك والفتن التي وقعت بين المسلمين بسبب تحول الخلافة إلى مُلك وراثي، اليوم موعدنا مع الحلقة الثالثة من حلقات معركة الخلافة حول ولاية العهد ليزيد بن معاوية.

ملاحظة: ندرس في هذا البحث مسألة الخلافة الإسلامية، مع اعترافنا أن الواقع الحالي بين المسلمين يوضح أن الحكم الملكي الوراثي أرحم وأفضل قياسًا بالأنظمة الديكتاتورية الأخرى.

معاوية بن أبي سفيان

وإن كان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من خير ملوك الأرض إلا إن هذا لا يمنعنا من الدراسة الموضوعية.

يقول الحسن البصري (1) :”أفسد أمر الناس اثنان عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف. والمغيرة بن شعبة حين أراد معاوية عزله، أبطأ عنه ولما ورد عليه قال له معاوية: ما أبطأك قال: أمر كنت أوطئه وأهيئه، قال: وما هو، قال: البيعة ليزيد من بعدك؟ قال : أو قد فعلت؟ قال: نعم، قال: ارجع إلى عملك، قال الحسن فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة”.

ويحدد الطبري سنة 56هـ (2) كبداية للعمل في بيعة يزيد وفي هذه السنة كتب معاوية كتاباً يقرأ على الناس باستخلاف يزيد إن حدث به حدث الموت، فيزيد ولي العهد فاستوسق له الناس على البيعة غير خمسة نفر، وهم الحسين وابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.

معارضة زعماء المدينة للبيعة

أخرج البخاري أن مروان خطب بالمدينة وهو على الحجاز من قبل معاوية بن أبي سفيان فقال: “إن الله قد أرى أمير المؤمنين في ولده يزيد رأياً حقا، وإن يستخلف فقد استخلف أبو بكر وعمر فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل وقيصر إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته ولا جعلها معاوية إلا رحمة وكرامة لولده”.

وقال ابن سيرين (3): “وفد عمر بن حزم على معاوية فقال له: أذكرك الله في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بمن تستخلف عليها ، فقال : نصحت وقلت برأيك وإنه لم يبق إلا ابني وأبناءهم وابني أحق”. وهذه الرواية توضح عاطفة الأبوة التي ينطلق منها معاوية وتوريثه البيعة .

محاولات لتبرير موقف معاوية بن أبي سفيان

يحاول معاوية رضي الله عنه تبرير موقفه قائلاً: (اللهم إن  كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيت من فضله فبلغه ما أملت وأعنه، وإن كنت إنما حملني حب الوالد لولده ,انه ليس لما صنعت به أهلا ، فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك)(4).

وسنرى من خلال استعراض أراء بعض العلماء والمؤرخين هل كان محقاً معاوية بن أبي سفيان في تصرفه أم لا.

ويلاحظ في مواقف بعض العلماء الاعتدال وبعضهم التطرف في مقابلة التطرف الشيعي، فابن خلدون(5) يرجع عمل معاوية لسبب مراعاة مصلحة اجتماع المسلمين واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد وهم بنو أمية في ذلك الوقت ويضرب ابن خلدون المأمون مثلا لرأيه عندما أراد تولية علي بن موسى بن جعفر الصادق وكيف ثار عليه بنو العباس مما جعله يرضخ لرأيهم .

ويؤكد هذا الرأي د. أحمد شلبي (6) فيرى أنه من الناحية العملية كان نقل الخلافة من الأمويين إلى غيرهم في ذلك الوقت مطلباً يكاد يكون مستحيلاً فالولاة على الأقاليم كانوا من بني أمية أو من أتباعهم وانتقال الحكم إلى الحسين مثلا معناه عزل ثم رفضهم العزل ثم تكرار معارك الجمل وصفين ، ويؤخذ الدكتور على معاوية اختياره لابنه فيرى أنه في بني من هو أكفأ منه ، ويعين موقف معاوية بأنه قصد تهيئة أسباب السعادة الأبدية لابنه .

ويبلغ تطرف أهل السنة في تبرير موقف معاوية عند محب الدين الخطيب في تعليقه على كتاب العواصم من القواصم فيقول : (ومبدأ الشورى في انتخاب الخليفة أفضل بكثير من مبدأ ولاية العهد لكن معاوية كان يعلم بينه وبين نفسه أن فتح باب الشورى في انتخاب من يخلفه سيحدث في الأمة الإسلامية مجزرة لا ترفأ فيها الدماء) ، ويرجح كفه يزيد على أقرانه لأن معه القوة العسكرية اللازمة لقوة الإسلام والخلافة (7).

ويفهم من ابن العربي استحسانه لملك بني أمية فيقول: “وما زالوا بعد ذلك يتوقلون في سبيل المجد ويترقون في درج العز حتى أنهتهم الأيام إلى منازل الكرام”(8).

ولكن كل هذه التبريرات لا تستقيم مع الأحداث التاريخية وحتى مع الأحاديث النبوية فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “هلكة أمتي على يد غلمة من قريش” ويعلق ابن حجر على هذا الحديث فيقول: “والذي يظهر أن المذكورين من جملتهم وأن أولهم يزيد كما دل عليه قول أبي هريرة رأس الستين وإمارة الصبيان”.

وكان أبو هريرة رضي الله عنه والذي عنده جرابين من العلم لم يطلع الناس عليهما – يتعوذ من فتنة الستين وما أظنها إلا خلافة يزيد والله أعلم .

وأما تاريخيا فنحن لم نقرأ في تاريخنا عن معارك أهلية كالتي حدثت بسبب الخلافة مما دعا الشهرستاني(9) إلى القول ما سل في الإسلام سيف كما سل في الإمامة. ومعارك الخلافة يكفي سقوط آل البيت شهداء بسببها ويكفي ضرب الكعبة بالمنجنيق. ولا أدري ما قصد محب الدين أن فتح باب الشورى سيقود إلى مجزرة لا ترفأ منها الدماء وكأن باب الشورى باب فساد وكأن الأمة الإسلامية لم تتعود لمدة ثلاثين سنة على الخلافة والشورى وهي عصر الخلفاء الخمسة وحتى خلافة معاوية كانت بالشورى وسمى عام الجماعة، ونقول هل رقأت الدماء بسبب غلق باب الشورى.

وأما عصبية بني أمية التي يبني ابن خلدون رأيه عليها فهي ضعيفة جداً أمام الوقائع التاريخية ، فلماذا بايعت جميع الأمصار لابن الزبير بعد موت يزيد إلا الشام بل فقط دمشق والأردن ، بل ولقد كان من رأى مروان مبايعة ابن الزبير (10).

فمعاوية بن أبي سفيان مخطئ نسأل الله تعالى أن يغفر له بحسناته وأعماله  الصالحة هذا الخطأ الكبير ، ولو أراد الشورى لاستطاع بحكمته وسياسته، ولكن أمر الله كان مفعولاً مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “تكون الخلافة ثلاثين سنة ثم يصير ملكاً” (11) ونستطيع أن نقرر أن قصده إيثار الولد وحب التشبه بالملوك.

ويعلل ابن تيمية هذا التحول إلى الملك قائلا: “وقد ذكرت في غير هذا الموضوع أن مصير الأمر إلى الملوك ونوابهم من الولاة ، والقضاة والأمراء ليس لنقص منهم فقط بل لنقص في الراعي والرعية جميعاً فإنه كما تكونوا يولى عليكم ، وقد قال الله تعالى ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا” (12).

وهكذا بدأ يزيد يمارس مقاليد الملك بعد موت أبيه سنة 60 هـ.

***

للتعرف على المصادر والمراجع الخاصة بحلقات معركة الخلافة، الرجاء الضغط هنا.

إعداد: أحمد العبد الجليل

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *