في هذا البحث سنقوم بتعريف الاقتصاد الإسلامي، ونتعرف بعمق على موضوعات علم الاقتصاد وأين المدرسة الإسلامية للاقتصاد، وأسباب عدم التطرق إلى النظرية الاقتصادية الإسلامية في علم الاقتصاد… لنجد الجواب معًا على كل مشاكلنا الاقتصادية والتي بدأ الغرب فعلا في تطبيقها من مبادئ وأسس الاقتصاد الإسلامي!
روابط سريعة
- تعريف علم الإقتصاد
- موضوعات علم الاقتصاد
- تطور علم الاقتصاد
- المدرسة الإسلامية للاقتصاد
- النظرية الاقتصادية الإسلامية
- هل يوجد نظام للاقتصاد في الإسلام؟
- الأسس العقائدية الاقتصادية
- مبادئ الاقتصاد الإسلامي
- الأهداف الأساسية في الاقتصاد الاسلامي
- الهيكل العام للاقتصاد الإسلامي
- نظام الحسبة
- وزارة المالية (بيت المال في التاريخ الإسلامي)
- المحرمات في الاقتصاد الاسلامي
- مرونة النظام الاقتصادي الاسلامي وإبداع الحلول للمشاكل الناشئة
- هل استفاد الغرب من تجربة الاقتصاد الاسلامي
- فكرة المصارف التي تطورت إلى البنوك
أولًا: تعريف علم الإقتصاد
لم يستطع احد أن يعطي تعريفاً محدداً لعلم الإقتصاد. حيث عَرف العالم الإقتصادي الانكليزي الفريد مارشال Alfred Marshall من القرن التاسع عشر علم الاقتصاد على أنهُ ” دراسة البشر لأعمال الحياة الطبيعية؛ المتعلق بالعمل الفردي أو الجماعي الذي يرتبط بالمكسب وذلك باستخدام المستلزمات المادية”. في القرن العشرين عَرف ليونيل روبينز Lionel Robbins الاقتصاد على انهُ ” العلم الذي يدرس سلوك الانسان الممنوح والوسائل النادرة التي لها استخدامات اخرى” بمعنى مبسط إن علم الاقتصاد بنظر روبنز هو التوفير. لكن هذا التعريف لا يشمل جميع مناحي الاقتصاد كالناتج المحلي او مستوى الاسعار.
ثانيًا: موضوعات علم الاقتصاد
رغم صعوبة وجود تعريف شامل ومحدد وواضح لعلم الاقتصاد لكنهُ كعلم يجيب على العديد من اسئلة الاقتصاديين ليس فقط تحديد أسعار البضائع و الخدمات وانما أسعار الموارد المنتجه لهما كالعمالة والاسواق.وكذلك يقوم علم الاقتصاد بدراسة الاقتصاد الجزئي، أي سلوك الأفراد من حيث الاستهلاك والشركات التجارية والتصدير، ويهتم بدراسة الاقتصاد الكلي الذي يعنى بمعرفة مستوى الدخل العام ومستوى البطالة ومستوى الاستثمار، والتي تصب جميعها في إيجاد طريق لاستقرار الأسعار.
ثالثًا: تطور علم الاقتصاد
يرجح أن ولادة علم الاقتصاد بدأت عام 1778 من قبل الفيلسوف الاسكتلندي آدم سمث Adam Smith الذي نشر دراسة حول طبيعة وأسباب ثروة الشعوب. استوحى سميث هذه الدراسة من كتابات الاغريق وبعض ما كتب من القرن الخامس عشر ولكن ليس هناك اسم محدد ساهم اكثر من سميث في تأسيس بما يعرف اليوم بالمدرسة الاقتصادية الكلاسيكية، وتعتبر الرأسمالية أبرز أنظمتها.
كما ظهرت المدرسة الماركسية التي أسسها كارل ماركس Karl Marx في كتابه Das Kapital 1867 ، وتعتبر الشيوعية أبرز أنظمتها وهو مصطلح يشير إلى مجموعة أفكار في التنظيم السياسي والمجتمعي مبنية على الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج في الاقتصاد؛ تؤدي بحسب منظريها إلى إنهاء الطبقية الاجتماعية وإلى تغيّر مجتمعي يؤدي إلى انتفاء الحاجة للمال ومنظومة الدولة.
نشأ جيل جديد بعد ذلك يدعى بالهامشية The Marginalism الذي ركز على الفائدة المترتبة من البضائع والخدمات وكيفية اعتبارها مورد اقتصادي حيث اعتبرت الهامشية على انها خط التماس بين الاقتصاد الكلاسيكي والاقتصاد الحديث. حيث استحلت الهامشية العقود الثلاثه الاخيرة من القرن التاسع عشر وركزت هذه المدرسة على العرض والطلب والذي كانت المدرسة الكلاسيكية غافلة عن اهميتهما للاقتصاد.
في عام 1930 ظهرت مدرسة جديدة وهي الكينزية من قبل العالم الاقتصادي جون مينارد كينز John Maynard Keynes والتي كانت مهتمة بالناتج العام والعمالة وذلك بسبب حالة الركود الاقتصادي العالمي في تلك الفترة. كان للكينزية اثر كبير في الخروج من الركود وذلك عبر تحفيز الحكومات على توفير الأشغال ورفع الضرائب على العمال وتقليل الفوائد على الاعمال التجارية للتقليل من حالة البطالة واعتبرت الكينزية نموذج مهم لحل عدة مشاكل بصورة عملية في ذلك الحين.
بعد الحرب العالمية الثانية دخلت الحسابات الرياضية المعقدة والمتقدمة في الاقتصاد لتحليل واستبيان المشاكل الاقتصادية للقطاعات الصناعية حيث لم يعد علم الاقتصاد مجرد نظريات وحسابات ثابته. وساعدت الحسابات ولغة الارقام في تحويل العلم من مجرد نظريات ومقولات الى حسابات وارقام لا تقبل التشكيك. وفي عام 1969 استحدثت جائزة نوبل لعلم الاقتصاد واصبح علم مهم كسائر باقي العلوم الطبيعية.
أين المدرسة الإسلامية للاقتصاد؟
مما لا شك فيه أن تأثير العامل الاقتصادي في الفكر الإسلامي بدأ يأخذ حيزاً ملحوظاً في الحياة الإسلامية ، منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ظهور الإسلام وازداد تأثير العامل الاقتصادي من خلال صياغة أشكال الصراع الديني الذي يعتمد على طبيعة التغير المتوقع في فرص الحياة، واستتبع ذلك تراجع واضح لنفوذ الطبقة المالكة لرأس المال . وعندما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية بسبب الفتوحات واندمجت ثقافات جديدة في المجتمع برزت الحاجة إلى إجراءات تنظيمية منسجمة مع حجم التطورات المتحققة ولذا ظهرت أول مؤسسة اقتصادية ممثلة ببيت المال ، وقد نهضت هذه المؤسسة الناشئة بمسؤوليات مالية كبيرة ولا سيما في جانب الإيرادات والمخرجات المالية وعلاقات السوق.
وقد صاحب تطور واتساع المجتمع الإسلامي تنامٍ حقيقي للأفكار الاقتصادية لدى علماء المسلمين ، فقام العديد منهم بوصف الواقع الاقتصادي من خلال شروحات عميقة عكست التجربة الإسلامية الطويلة في الكتابة والتصنيف وتنوعت مجالات الإنتاج المعرفي في موضوعات شاملـة كالخـراج والأسعار والنقود والحسبة والتجارة وعلاقات الأرض وتنظيمات السوق وغيرها.
أول من عني بالاقتصاد كعلم مستقل في التاريخ الإسلامي
يمكن اعتبار أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي أحد علماء القرن السادس الهجري في طرابلس الشام، أبرز من عالج القضايا الاقتصادية بين المفكرين المسلمين والعرب الذين عاصروه، وعني بالشأن الاقتصادي كشأن مستقل قائم بذاته، وهو من أوائل العلماء الذين تكلموا في العروض التجارية وأسماء السلع فكان كلامه مرجعاً لغيره من المؤلفين والشراح، وذلك في كتابه الرائع: الإشارة إلى محاسن التجارة، وقد سبق ابن خلدون في تناوله لعلم الاقتصاد، وتفرد في معالجته لشؤون التجارة على نحو جعل كتابه هذا يوصف بأنه الدراسة الوحيدة في أصول مهنة التجارة.
ويعتبر بعض العلماء أن ابن خلدون المتوفي عام 1406م المؤسس الحقيقي لعلم الاقتصاد؛ حيث أنه سبق آدم سميث ب 400 عام في دراسة الظواهر الاقتصادية، ونبه إلى أهمية تقسيم العمل قبله، كما أشار إلى مبدأ قيمة العمل قبل ريكاردو، وتعتبر مقدمته المشهورة أساس حقيقي لعلم الاقتصاد؛ حيث أوضح أن العمل قد يكون ظاهرا في بعض المنتجات والسلع والصناعات: مثل الأثاث، وقد يكون غير ظاهر للوهلة الأولى في منتجات أخرى ظن أنها هبة من الطبيعية كالثمار التي لا بد من قطفها وتوزيعها فالقطف والتوزيع عمل، وله تكلفة من وجهة نظره, كذلك يرى ابن خلدون أن قيمة العمل أحيانا تكون أكبر من قيمة الأشياء التي ينتجها ذلك العمل, ومثال ذلك أن قيمة العمل المبذول في بناء المنزل أكبر كثيرا من قيمة المواد المستخدمة في البناء, وهنا نستطيع أن نستخلص نتيجة مؤداها أن قيمة الصنائع تكمن في قيمة العمل المبذول في صناعتها, ويرى ابن خلدون أن استشراء الفساد وكذلك المحسوبية في قطاعات الدولة المختلفة, آفات كفيلة بإفقار الدول وانحطاط الحكومات وانهيارها , ويتطرق ابن خلدون إلى ما يسميه ” نقص عطاء السلطان” والمقصود به” نقص األجور أو انخفاض الدخول ” كسبب رئيسي في ضعف النمواالقتصادي للدولة وإصابة أسواقها بالكساد, ويوضح ابن خلدون أيضا نظرته إلى النقود على أنها مقياس للقيمة ووسيط للتبادل وأداة تخزين الثروة, وأوضح ابن خلدون أيضا دور الدولة في مراقبة الأسعار وفي جباية الأموال على غرار ما تفعله في وقتنا الحاضر وزارات المالية والتموين.
أسباب عدم التطرق إلى النظرية الاقتصادية الإسلامية في علم الاقتصاد
- عدم اطلاع مفكري الحضارة الغربية على أعمال المفكرين الاسلاميين بسبب حاجز اللغة.
تناولت كتب التاريخ والفقه والسياسة الشرعية والكتب الموسوعية ككتاب صبح الأعشى في صناعة الانشا للقلقشندي مواضيع علم الاقتصاد المختلفة ويصعب على غير العرب الوصول الى هذه المعلومات، ولكن مما يؤسف له أن هناك العشرات من الكتب التراثية المتخصصة في علم الاقتصاد، فهل يعل أنهم لم يطلعوا عليها، والأشد استغرابا هل الباحثين الناطقين بالعربية لم يطلعوا عليها أيضا!! وفيما يلي نماذج منها:
- كتاب الخراج لأبي يوسف (ت182هـ).
- كتاب الكسب للشيباني (ت189هـ) وله (3) كتب متخصصة في الاقتصاد.
- كتاب الأموال ليحيى بن آدم(ت203هـ).
- كتاب الأموال لابن زيخويه(ت247 هـ).
- كتاب التبصر بالتجارة للجاحظ (ت255هـ) وله(7) كتب متخصصة في الاقتصاد.
- كتاب أحكام السوق للكتاني (ت289هـ).
- كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة للدمشقي(ت570هـ).
- علي بن محمد الدائني (ت 225هـ)، وله (4) كتب في المال والإقطاع وضرب الدراهم والدنانير .
- علي بن مهزيار الدورقي (ت250هـ)، وله (4) كتب في التجارة والإجارة وتوزيع الأخماس والكسب وضبط السلوك المادي في الحياة.
- محمد بن مسعود العباشي (ت320هـ)، وله (3) كتب في التجارة والجزية والخراج والزهد.
- إسحاق بن يحيى ابن الزرقالة (ت377هـ)، وله كتابان في صناعة الخراج.
- أحمد بن محمد الرفعة (ت710هـ)، وله (3) كتب في الاحتساب والموازين والمكاييل.
- أحمد بن تيمية الحراني (728هـ ) كتاب الحسبة في الإسلام وله (5) كتب متخصصة بالاقتصاد.
- كتاب البركة في فضل السعي والحركة للجيشي الوصابي (ت782هـ).
- عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت911هـ)، وله كتابان في أصول الرزق والسعي للمكاسب وذم الضرائب.
- أحمد بن ليمان بن كمال باشا (ت940هـ)، وله (3) كتب في التبادلات الربوية وذم الفقر وموقف الإسلام من السعي والبطالة.
- زين الدين بن إبراهيم بن نجيم الحنفي (ت970هـ)، وله(3)كتب في الإقطاعات والرشوة وعلاقات الأرض في مصر.
- محمد بن بير البركوي (ت 981هـ)، وله (3)كتب في الغنى والفقر والكسب ووقف الدراهم والسلع المنقولة.
- عيد الغني بن إسماعيل النابلسي(ت1143هـ)، وله (3)كتب في التسعير والاكتساب بالرشوة والهدية.
- محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت1182هـ)، وله (4)كتب في الربا والفقر والكسب.
وفي دراسة إحصائية لمصادر التراث الاقتصادي الإسلامي للدكتور ياسر عبد الكريم الحوراني ذكر أن: عدد مصادر التراث في مجال الاقتصاد الإسلامي يصل إلى (350) مصدراً غير أن الدراسات المعاصرة لم تتناول غير (20)مصدراً، بنسبة (5.7%)، وأن عدد المصنفين (282) مصنفاً ولم تتناول الدراسات المعاصرة غير (18) مصنفاً بنسبة (6.4%) ويدل ذلك على عدم وجود آلية علمية أو بحثية ممنهجة بطريقة واعية لتغطية الموروث الفكري للأمة وسبر أغوار المخطوطات المتاحة بطريقة شاملة.
- حالة العداء بين الاسلام والمسيحية ابتداء من فتوحات المسلمين مرورا بالحملات الصليبية وانتهاء بالاستعمار الغربي.
- علمانية تلاميذ الاستعمار من العرب الذين نظروا بازدراء وهزيمة ثقافية إلى افكار ومؤلفات العلماء المسلمين، وللأسف فإن مؤلفات بعض العرب والمسلمين خلت من ذكر تجربة الاقتصاد الاسلامي الممتدة 1300 سنة.
هل يوجد نظام للاقتصاد في الإسلام؟
قال تعالى:
إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا 9الاسراء
|
||
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ 89النحل
|
||
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 3المائدة
|
||
حكم الإسلام البلاد العربية والإسلامية 1300 سنة، فهل يعقل أن دولة سيطرت على شعوب وأراضي في 3 قارات، لم يكن لها نظاما اقتصاديا، في حين يدرس العلماء اقتصاد الإنسان في العصر الحجري!!
وأول ما بناه النبي صلى الله عليه وسلم بعد المسجد النبوي هو السوق الإسلامي حيث كان اليهود محتكرين للسوق.
يعرفالنظام الاقتصادي الإسلامي بأنه:
مجموعة من القواعد والأنظمة والأحكام المنبثقة من الشريعة الإسلامية المتعلقة بمختلف مراحل ومستويات الفعاليات الاقتصادية الفردية والجماعية.
والاقتصاد الإسلامي عبارة عن مذهب اقتصادي، يقابل المذهب الرأسمالي والشيوعي، فهناك نصوص ومصادر التشريع التي تنظم الحياة الاقتصادية وعلاقات الإنسان في مجالات انتاج الثروة وتوزيعها، وفي إحياء الاراضي والإجارة والمضاربة والربا. وهذه المجموعة من الاحكام والتشريعات، إذا نسقت ودرست دراسة مقارنة بعضها ببعض، نستخلص المذهب الاقتصادي في الإسلام.
فتحريم الإسلام للاستثمار الرأسمالي الربوي، وتحريمه تملك الارض بدون احياء وعمل، واعطاء ولي الأمر صلاحية الإشراف على أثمان السلع، دون تدخل مباشر في التسعير، وهذا ما يبين موقف الإسلام من الحرية الاقتصادية، ويعكس المبدأ الإسلامي العام.
الأسس العقائدية الاقتصادية
- الله المشرع لكافة مرافق الحياة والرسول المبلغ عن الله.
- الملكية الحقيقية لما في السموات والأرض لله وحده.
- الإنسان مستخلف من الله لعمارة الأرض واستثمار خيراتها.
- تسخير الكون للإنسان لتحقيق مقاصد الاستخلاف.
- تحقيق المنفعة والعمل والسعي لخلق المال.
- المال وسيلة تستخدم لتحقيق رضا الله.
- التوازن والضمان الاجتماعي أساس التنمية الاقتصادية الإسلامية.
مبادئ الاقتصاد الإسلامي
-
- تفتيت الثروات وتوزيعها على المجتمع لمنع الظلم والاحتكار بين أفراد المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية بين طبقات المجتمع.
- الحرية في العمل وفق الضوابط الشريعة مع توفير بيئة تكافؤ الفرص.
- إقرار الملكية الفردية وصيانتها.
الأهداف الأساسية في الاقتصاد الإسلامي
- التخصيص الأمثل لكل الموارد الاقتصادية ومن شروطها:
- عدم إنتاج السلع المحرمة الضارة .
- ربط العائد على المال بالمخاطرة.
- التركيز على الضروريات وعدم الإسراف وعدم الإفراط .
- توفير الحاجات الأساسية للمجتمع وتنقسم إلى ثلاث مستويات:
- السلع الضرورية: وهي كافة السلع والخدمات التي تخدم مقاصد الشريعة الخمسة وهي ( الدين ـ النفس ـ العقل ـ النسل والمال ) .
- السلع الحاجية: وهي لا تتوقف عليها حياة الفرد وهي سلع يمكن الاستغناء عنها ولكن بشيء من المشقة . مثل استهلاك اللحوم.
- السلع التكميلية: وهي الأمور التي يمكن الاستغناء عنها.
- تحقيق توزيع عادل للدخل الثروة وهو التوزيع الناتج من عملية التوجيه التلقائي بواسطة الزكاة الصدقات والإرث وغيرها.
- تحقيق التوزان الاجتماعي والضمان الاجتماعي.
- التنمية الاقتصادية القائمة على مبدأ العدالة والتراضي بين الناس.
يتكون الهيكل العام للاقتصاد الإسلامي من ثلاث مبادئ رئيسية:
- مبدأ الملكية المزدوجة ذات الأشكال المتنوعة: الملكية الخاصة / الملكية العامة / ملكية الدولة.
- مبدأ الحرية الاقتصادية وفق الضوابط الشرعية، أي تجارة واقتصاد التي لا ضرر ولا ضرار فيها.
- مبدأ العدالة الاجتماعية في تحقيق الضمان والتوازن الاجتماعي.
نظام الحسبة
ولضرورة الرقابة ومتابعة السوق ابتكر المسلمون نظام الحسبة، وبدأ النظام لمراقبة الأسواق ومنع الغش، ثم أضيف إليه مراقبة الآداب العامة في المجتمع.
إن أول من مارس الحسبة في التاريخ الإسلامي هو رسول الله صلى الله علية وسلم فكان يمشي في الأسواق وينهى عن الغش والتطفيف في الكيل والوزن وسار على دربه أصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين وعندما توسعت رقعة الدولة الإسلامية صار يتوجب على ولاة أمور المسلمين تعيين من يروه أهلاً للقيام بالحسبة ويمدونه بما يحتاج إليه من الأعوان والوسائل اللازمة لذلك ويفضونه صلاحية البحث عن المنكرات في الأسواق والطرقات وفي أماكن تجمعات الناس فيؤدب مرتكبيها ويحذرهم من اقترافها ويحمل الناس على المصالح العامة في المدينة مثل منعهم من المضايقة في الطرقات ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل والحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها وإزالة ما يتوقع من ضررها على السابلة والضرب على أيدي المعلمين في المكاتب وغيرها عند المبالغة في ضربهم للصبيان المتعلمين ولا يتوقف حكمة على تنازع أو استعداء بل له النظر والحكم فيما يصل إلى علمه من ذلك ويرفع إليه وليس له إمضاء الحكم في الدعاوي مطلقاً بل في ما يتعلق بالغش والتدليس في المعايش وغيرها في المكاييل والموازين وله أيضاًحمل المماطلين على الإنصاف وأمثال ذلك مما ليس فيه سماع بينة ولا إنفاذ حكم ينزه القاضي عنها لعمومها وسهولة أغراضها فتدفع إلى صاحب هذه الوظيفة ليقوم بها فوضعها على ذلك أن تكون خادمة لمنصب القضاء وقد كانت في كثير من الدول الإسلامية مثل العبيديين بمصر والمغرب والأمويين بالأندلس داخلة في عموم ولاية القاضي يولي فيها باختياره ثم لما انفردت وظيفة السلطان عن الخلافة وصار نظره عاماً في أمور السياسة اندرجت في وظائف الملك وانفردت بالولاية.
وزارة المالية (بيت المال في التاريخ الإسلامي)
بيت المال هو المؤسسة التي تُشرف على ما يَرِدُ من الأموال وما يخرج منها في أوجه النفقات المختلفة؛ لتكون تحت يد الخليفة أو الوالي، يضعها فيما أمر الله به أن تُوضع بما يُصلح شئون الأمة في السلم والحرب.
اختصاصات بيت المال:
كل مالٍ استحقَّه المسلمون، ولم يتعيَّن مالكه منهم فهو من حقوق بيت المال، وكلُّ حقٍّ وجب صرفه في مصالح المسلمين فهو حقٌّ على بيت المال، وبناء على هذا التعريف فإن بيت المال من أهم المؤسسات الحضارية الإسلامية، فهو الجهة الوحيدة المخولة للصرف على مصالح المسلمين المتفاوتة؛ ولذلك فهو يجمع اختصاصات وزارة المالية والبنك المركزي في عصرنا الحاضر.
أهم واردات بيت المال:
الزكاة، والخراج، والجزية، والغنيمة، والفيء، والأوقاف، وفيها جميعًا -باستثناء الأوقاف- معنى الضريبة على الثروة والأرض والأنفس.
مصروفات بيت المال:
تنحصر مصروفات بيت المال في:
أولاً: رواتب الولاة والقضاة، وموظفي الدولة، والعمال في المصلحة العامة، ومن هؤلاء أمير المؤمنين، أو الخليفة نفسه.
ثانيًا: رواتب الجند والعسكر.
ثالثًا: تجهيز الجيوش وآلات القتال من سلاح، وذخائر، وخيل، وما يقوم مقامهما.
رابعًا: إقامة المشروعات العامة من جسور، وسدود، وتمهيد الطرق، والمباني العامة، ودور الاستراحة،والمساجد.
خامسًا: مصروفات المؤسسات الاجتماعية؛ مثل: المستشفيات، والسجون، وغير ذلك من مرافق الدولة.
سادسًا: توزيع الأرزاق على الفقراء واليتامى والأرامل، وكل من لا عائل له, فالدولة تعوله وتكفله.
مفهوم البركة
كيف استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثٍ وعشرين سنة فقط، ووسط ذلك المحيط الضخم من الجاهليات العاتية العادية؛ أن يبنيَ أمةً عقِمت أرحامُ القرون والدهور أن تلدَ مثلها، وأن يشيد حضارة لم ولن تسعدَ البشرية بمثلها منذ مولدها إلى أن تُطوى صفحة هذه الحياة الدنيا؟! وكيف استطاعت هذه الأمَّة الأمِّية التي خرجت من قاع الصحراء بأقل جيوش أمم الأرض عدداً وعُدة، أن تُسقط الإمبراطوريات العتيقة، وأن تَبسط سلطانها في أقل من ربع قرن من الزمان على المعمورة، من حدود الصين إلى شواطئ الأطلسي؟! وكيف استطاع علماءُ هذه الأمة أن يصنعوا مثل هذه المعجزات الباهرة، إلى حد أن الواحد منهم -في عمر قصير- يكتب من المؤلَّفات ما يحتاج منَّا إلى أعمار مديدة لقراءتها وتعلُّم ما فيها؟!
هذه الظواهر -وأمثالها كثير- ليس لها إلا تفسير واحد؛ إنها البركة.
البَرَكَة التي إن وُجدت وحلَّت، اتسعت الأوقاتُ، وتضاعفت الطاقات، وتحققت الإنجازات، ووقعت المعجزات، وإن فُقدت أو رحلت، فربما خرج الإنسانُ من هذه الحياة -مهما طال عمره، وكثُر سعيُه- بلا زاد قدَّمه، ولا أثر خلَّفه. والبَرَكَة تعني تكاثرَ الخير ونمائه واستقراره واستمراره (انظر مختار الصحاح [ص:49]، والمعجم الوسيط [ص:52]، والمفرادات في غريب القرآن [ص:24]، ومعجم مقاييس اللغة [ص:230])، ومصدرها الذىي تُلتمس منه واحد، إنه الله تبارك وتعالى، فهو وحده الذي {تَبَارَك} أي: كثُرت بركاتُه وتزايد خيره (انظر المحرر الوجيز [6/416]، إعراب القرآن الكريم وبيانه [5/325])، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:1]، وقال: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الملك:1]، وقال: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [غافر:64]، وقال: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14]. لذلك علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نلتمس البَرَكَةَ من الله وأن نسأله إياها، فها هو -على سبيل المثال- كان إذا رأى باكورة الثمر دعا الله تعالى وسأله البركة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى الثمر أُتي به فيقول: «اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَفِي ثِمَارِنَا، وَفِي مُدِّنَا، وَفِي صَاعِنَا؛ بَرَكَةً مَعَ بَرَكَةٍ» ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنَ الْوِلْدَانِ (رواه مسلم [1373]).
ولأن الأشياء تعرف بضدها، فإن الأزمة المالية العالمية سنة 2008 والتي محقت ترليونات الدولارات في أمريكا وغيرها، تبين معني البركة؛ فلم تؤثر هذه الأزمة على البنوك الإسلامية التي لا تتعامل بالربا.
صورة حية لبيت المال واختصاصاته:
يتحدث قُدَامة بن جعفر (ت 337هـ/948م) -في كتابه ‘الخَرَاج‘ وقد كان من كبار مسؤولين الماليين في الثلث الأول من القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي- عن مهام بيت المال؛ فيقول إنها تشمل ضبط “وجوه النفقات (= بنود الصرف) والإطلاقات (= أوامر الصرف الرسمية)، إذْ كان ما يرفع من الختمات (= التقارير المحاسبية الختامية) مشتملا على ما يرفع إلى دواوين الخراج.. من الحُمُول (= الإيرادات والعائدات)..، وما يرفع إلى ديوان النفقات مما يُطلق في وجوه النفقات”. ثم يؤكد قدامة المكانة المحورية لمن يتولى هذه الوظيفة فيقول إن “هذا الديوان إذا استوفيت أعماله كان مال الاستخراج بالحضرة (= مركز الدولة) والحُمول من النواحي (= الأقاليم) مضبوطا به”.
ويصف ابن خلدون (ت 808هـ/1406م) -في ‘المقدمة‘- أهمية مؤسسة بيت المال واختصاصاته؛ قائلا: “اعلم أنّ هذه الوظيفة من الوظائف الضّروريّة للملك”، فمهمتها “القيام على أعمال الجبايات، وحفظ حقوق الدّولة في الدَّخْل (= الإيرادات) والخَرْج (= المصروفات)، وإحصاء العساكر بأسمائهم وتقدير أرزاقهم (= رواتبهم)، وصرف أعطياتهم في إبّاناتها (= أوقاتها)، والرّجوع في ذلك إلى القوانين الّتي يرتّبها قَوَمَةُ (= مسؤولو المالية) تلك الأعمال”، حيث تكون مكتوبة “في كتاب شاهد بتفاصيل ذلك في الدّخل والخَرْج، مبنيّ على جزء كبير من الحساب لا يقوم به إلّا المَهَرة”.
المحرمات في الاقتصاد الاسلامي
- جرائم أكل أموال الناس بالباطل واكل أموال اليتامى.
- جريمة أكل الربا حيث توعد الله آكلي الربا بالحرب قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين *فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} كما توعدهم بمحق أموالهم إن لم يتركوا الربا فقال تعالى: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم} وجاءت الأزمة المالية العالمية سنة 2008 توضيحا لهذا الوعيد.
- جريمة بيع الغرر والجهالة، وهو ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول، فهو إذن البيع مجهول العاقبة، وهو سبب للعداوة والبغضاء، لما فيه من الظلم والخداع، كبيع السمك في الماء،
- جرائم الاحتكار والغش واكتناز الأموال وعدم استثمارها
- جريمة الرشوة والسرقة
- جرائم القمار والميسر والرهان
- جرائم التجارة المحرمة والفاسدة
- بيع ما لا تملك.
مرونة النظام الاقتصادي الاسلامي وإبداع الحلول للمشاكل الناشئة
تميز نظام الاقتصاد الإسلامي بالمرونة الكافية التي مكنته من ابتكار الوسائل والحلول الابداعية وتمثل فيما يلي:
- قام أغلب الصحابة المهاجرين بترك أموالهم وثرواتهم وبيوتهم في مكة، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، فوفر كل الأنصار المقتدرين بيوتا وأموالا بل وعرض بعضهم التخلي عن أحد زوجاته، فحلت مشكلة اقتصادية واجتماعية، كان من الممكن أن تسبب إرباكا للدولة الإسلامية الناشئة.
- الحث على الصدقات وكفالة الأيتام تطوعا، مما وفر إيرادات إضافية للدولة تمكنت من سد حاجة شريحة معتبرة من المجتمع.
- تطوير نظام الوقف الإسلامي كوقف عثمان بن عفان بئر رومة على المسلمين.
- في عام الرمادة أوقف عمر بن الخطاب تطبيق حد السرقة بسبب المجاعة والفقر الذي انتشر، وسارع عمرو بن العاص والي مصر بإرسال قوافل اغاثية للمدينة في عام الرمادة وهذا تطبيق عملي لمبدأ التكامل الاقتصادي والتكافل الاجتماعي بين أمصار المسلمين.
- عقب فتح العراق والشام كتب كل من: سعد بن أبي وقاص، وأبي عبيدة ابن الجراح يخبران عمر أن الجند يريدون تقسيم مغانمھم. وما أفاء الله به عليھم. وعلى رأس المغانم المدن وأھلھا، والاراضي وما فيھا من شجر وزرع، كما قسم الرسول أرض خيبر، لكن عمر كان له رأي خاص في الاراضي وسكانھا بالذات، فرأى ألا يُسترق ھؤلاء، فھم كثيرون يقدرون بالآلاف بل بالملايين، فرأى الاكتفاء بعرض الاسلام أو الجزية عليھم، أما الارض، فرأى أن من مصلحة المسلمين ألا تقسم، بل الاولى أن تبقى في أيدي المزارعين يزرعونھا ويفرض عليھم الخراج، الذي تستفيد منه الدولة الاسلامية في دفع العطاء والمرتبات، والانفاق على مصالح المسلمين، وتسيير الجيوش، وحشد الحصون والثغور بالسلاح والمقاتلين. وكان عمر يخشى إن قسمت ھذه الاراضي الشاسعة، وما حولھا من أنھار أن يركن المسلمون للراحة، ويخلدوا إلى نعيم الدنيا، ويدعوا الجھاد، وكذلك خشى أن يتنازعوا فيما بينھم فيقع الشقاق والخلاف. وقد اقتنع عدد من الصحابة برأي عمر، مثل: علي، وعثمان، وطلحة، ومعاذ، وعارضه بلال، وابن عوف، والزبير. وقد حاول إقناعھم بأن ھذه الاراضي لو قسمت لم يبق لمن يأتي بعدنا شيء وسيجدونھا امتلكت وورثت، وحيزت للسابقين، فمن يكون لذرية الجند وزوجاتھم والارامل واليتامى من بعد؟! لكن الاخرون اعترضوا وقالوا: أفاء الله علينا ھذه الاراضي بسيوفنا، فيكف نحرص على إعطائھا لمن بعدنا ممن لم يحضروا ولم يشھدوا، نعطيھا لابنائھم وأحفادھم؟! فاحتكم الفريقان إلى عشرة من الانصار (مناصفة بينالاوس والخزرج). وقام عمر بعرض الامر عليھم؛ ليشيروا برأيھم، ويشاركوه أمانته ومسئوليته، فعلى الارض الخراج وعلى الرجال الجزية، ويظل دخل الارض فيئاً للمسلمين ولمن بعدھم. واستدل عمر رضى الله عنه استدلالا ذكيا دقيقا بآيات القرآن في سورة الحشر: {مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } وضح عمر أن ھذه الاية عامة. ثم ت لاقوله تعالى: { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}، وھذه خاصة بالمھاجرين ثم قال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} خاصة بالانصار، ثم قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} وھذه آية خاصة بمن يجيء بعد ذلك. ومقتضى ھذا الفھم أن لھؤلاء جميعا حقا في الفيء، فكيف يأخذه بعضھم ويحرم منه اخرون؟! فوافق الانصار على رأيه، وقالوا: نعم ما رأيت، وما قلت.
هل استفاد الغرب من تجربة الاقتصاد الاسلامي وأخفى ذكر ذلك أو الاعتراف به؟
لم يجد العرب الفاتحون أي مشكلة في الاستفادة من الأنظمة الاقتصادية والادارية وحتى العلوم التي وجدوها في البلاد التي فتحوها تحت راية الاسلام، وما يميزهم أنهم نسبوها إلى أصحابها، في حين أنه من غير المعقول أن الحضارة الاسلامية واللغة العربية اللتان هيمنتا على العالم في العصور الوسطى لمدة 8 قرون على الأقل لم تؤثر في الحضارات والأمم التي احتكت بها والتي كانت على حدودها.
وتتبع الباحثون ما استفاد منه الغرب خاصة بعد الاحتكاك الحربي في عصر الحروب الصليبية فكان ما يلي:
- نظام الوقف حيث أن أول عقد تمليك طورته جامعة أكسفورد للأوقاف TRUST أسس على نظام الوقف الإسلامي القائم على تحديد الوقف وحبس الأصل وصرف الريع.
- فكرة المصارف التي تطورت إلى البنوك؛ حيث يرى المستشرق (ماسينيون) أن أصل المصارف في أوروبا إنما يعود إلى المسلمين، فقد أورد المؤرخون بأن للتجار في العصر العباسي وكلاء وعملاء في المدن الرئيسة يقومون بجباية الإيرادات المتحصلة في السوق أو تسديد ما يتعلق بذمم من يعملون لديهم، وقد يضطر أولئك للاقتراض أو يقومون بتقديم القروض، فعمدوا إلى كتابة الصكوك، وشاعت طريقة الصكوك في مدينة البصرة، وكان الصك يختم بالشمع الأحمر أو بالطين.إضافة إلى ذلك وجد الصرافون الذين يقومون بإجراء ما اصطلح عليه بعملية المقاصة بين الدائنين والمدينين من التجار، وذلك بتحويل الديون من شخص إلى آخر في المدينة نفسها أو بين مدن مختلفة، الأمر الذي يسر عملية التبادل التجاري، فبموجب ذلك لم يضطر التاجر للدفع المباشر عن كل صفقة تجارية.وكان للصرافين مراكز خاصة بهم مثل درب عون في بغداد وحلقات أصحاب العينة في البصرة. كما لعبت بيوت الجهابذة التي تشبه المصارف اليوم دوراً كبيراً في تنشيط الحركة التجارية في ذلك العصر.من جانب آخر، فإن التجار كانوا محتاجين للصرافين من أجل تحويل العملة من الدنانير إلى الدراهم وبالعكس، إذ تمت الإشارة إلى أن الجزء الشرقي من الخلافة العباسية يتعامل بالدرهم، والجزء الغربي يتعامل بالدنانير. من هنا كانت الحاجة للجوء إلى الصرافين لحل مشكلات الفروق بين عيار وأوزان العملة.وقد كانت المصارف الخاصة من السعة بحيث كان لها فروع في أماكن أخرى، مثال ذلك مصرف الزبير الذي كان مركزه في المدينة وله فروع في البصرة ومدينة الكلأ، والكوفة وكان كل فرع يمثل مصرفاً محلياً شبه مستقل، رغم ترابط هذه الفروع جميعاً فيما بينها، وظل مصرف الزبير يلعب دوراً مهماً في الحياة الاقتصادية في البصرة حتى القرن الرابع الهجري
- الشيكات والحوالات المالية ودفتر اليومية: اعتمد النظام التجاري الإسلامي مجموعة من الإجراءات التمويلية والتسهيلات الإدارية التي تضمن سلاسة الحركة التجارية بين الأقاليم؛ ومن ذلك إصدار سندات التحويلات المالية والصكوك التوثيقية التي تسمى اليوم “الشيكات”. ويرى المستشرق الألماني يوسف شاخت (ت 1969هـ/1389م) – في بحث له بعنوان “القانون والدولة” ضمن الكتاب الجماعي ‘تراث الإسلام‘- أنها كانت من “أنظمة.. القانون التجاري الإسلامي التي انتقلــت في العصور الوسطى إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، وقد اندمجت هذه الأنظمة في القانون التجاري المتعارف عليه في التجارة الدولية”. ويؤكد شاخت أن “الشاهد على ذلك [الانتقال] مصطلحات [مثل لفظ] «Mohatra» المأخوذ من الكلمة العربية «مخاطـرة»..، ولـفظ «Aval» كلمة فرنسية محرفة من كلمة «حوالة» العربية أي تحويـل الديون..، وربما أيـضـا لـفـظ «شـيـك» (Cheque) جاء من الكلمة العربية «صك» أي الوثيقـة المكتوبة”. كانت كتب التحويلات المالية تلك تسمى “السَّفاتِج” واحدتها “سَفْتَجَة”، وهي أن يُقرض التاجر شخصا مالا في بلد على أن يسدده له في بلد آخر، والهدف منها أن يتجنب التاجرُ المقرضُ مخاطرَ الطريق على نقوده إذا حملها معه، ولذا لم يكن التجار مضطرين لحمل الأموال أثناء رحلاتهم التجارية، إذ تؤدي “السفتجة” وظيفة الحوالات المالية بين التجار على نحو ما تقوم به اليوم البنوك وشركات الصرافة المالية. أما الصكوك فهي “شيكات” ذلك الزمن المتضمنة لمستندات الديون والتعهدات المالية عموما، ومن أقدم النصوص فيها نص يقول إن الصحابي سعيد بن العاص (ت 59هـ/680م) كان يكتب صكا على نفسه إذا طلب منه أحد مالا معونةً ولم يكن عنده ساعتها مال، فكان يقول لمن يقترض منه: “اكتب عليّ سجلًّا إلى يوم يُسْري”، فلما مات “أتى غرماؤه.. بما عليه من بالصكاك، وكان في جملتها صكٌّ لفتى من قريش فيه شهادة مولى له بعشرين ألفا”! وفقا لبهاء الدين البغدادي (ت 562هـ/1167م) في ‘التذكرة الحمدونية‘. ومن العجيب أن التاجر ابن حَوْقَل الموصلي (ت بعد 367هـ/978م) لم يذكر -في كتاب رحلاته الواسعة المعنون بـ‘صورة الأرض‘- من الصكوك المالية إلا صكًّا واحدا فريدا من نوعه رآه في أَوْدَغَسْتْ التي كانت عاصمة لمملكة غانا بغرب أفريقيا وتقع جنوب شرقي موريتانيا اليوم. ولغرابة شأن هذا الصك عند ابن حَوْقَل ذكره مرتين؛ فقال عنه في إحداهما: “ولقد رأيت بأَوْدَغَسْتْ صكًّا فيه ذكرُ حقٍّ (= دَيْن) لبعضهم على رجل من تجار أَوْدَغَسْتْ -وهو من أهل سجلماسة- باثنين وأربعين ألف دينار (= اليوم سبعة ملايين دولار أميركي تقريبا)، وما رأيتُ ولا سمعتُ بالمشرق لهذه الحكاية شبها ولا نظيرا! ولقد حكيتها بالعراق وفارس وخراسان فاستُطرفت” لغرابتها!! وذكر في موضع آخر اسم الرجل المدين بقيمة هذا الصك فقال إنه “كُتب بدين على محمد بن أبي سعدون (بغدادي مقيم بالمغرب ت بعد 340هـ/951م).. وشهد عليه العدول”. أما الدفاتر اليومية الخاصة بسجلات المعاملات التجارية فكانت تُعرف بـ”الروزنامج“، وهي لفظة فارسية جاء في تعريفها أنها “كتاب اليوم [الذي] يُثْبَتُ فيه ما يجري من استخراج أو نفقة”؛ وفقا لما في ‘معجم مقاليد العلوم‘ المنسوب إلى الإمام السيوطي (ت 911هـ/1505م).
- معايير جودة السلع (ISO): يذكر الجغرافي ابن الفقيه الهمْداني (ت نحو 365هـ/976م) أن بغداد “جمع الله فيها ما فرقه في غيرها من البلدان من أنواع التجارات وأصناف الصناعات؛ فهي سلة الدنيا وخزانة الأرض”! ويضيف أنه كان يقال: “ليس بالصين متاع أسرى (= أفخم) ولا أحسن مما يحمله التجار إلى العراق، فأما ما يبقى هناك فرديء لا حسن له”!! وهذا يدل على قوة المعايير المتبعة في جودة إنتاج السلع التي يراد تصديرها إلى مقر عاصمة الخلافة الإسلامية.وحرصا على احترام معايير الجودة تلك؛ ظهر ما يمكن وصفه بـ”الأدلة التجارية” لكل بلد فكانت توضح مواصفات ما ينتج فيه من سلع أو يستحسنه أهله من منتجات، وأقدمها رسالة الجاحظ المعنونة بـ”التبصرة بالتجارة في وصف ما يستظرف في البلدان من الأمتعة الرفيعة والأعلاق (= البضائع النادرة) النفيسة والجواهر الثمينة“!ففي هذه الرسالة كان الجاحظ يوثق علامات الجودة في البضائع؛ فالثياب أجود إذا كانت “ألين وأنعم”، والجواهر تمتاز كلما كانت “أصفى وأضوأ”، أما الحيوانات إجمالا فهي أفضل كلما كانت “أجسم وأطوع”.ويقول المستشرق الروسي إغناطيوس كراتشكوفسكي (ت 1371هـ/1951م) -في ‘تاريخ الأدب الجغرافي العربي‘- إن رسالة الجاحظ هذه “تعالج السلع التجارية المختلفة وأسعارها ومزاياها والزائف منها“، بما في ذلك “الذهب والفضة والأحجار الكريمة ثم العطور والطيب والأنسجة والثياب”. كما تعدد “أسماء السلع المستوردة من مختلف الأقطار ابتداء من الهند والصين..، والبلاد الشمالية كخوارزم وبلاد الخَزَر وبلاد البلغار”، وما لكل سلعة من مزايا ومواصفات جودة.فتحت رسالةُ الجاحظ هذه الطريقَ أمام كتب الجغرافيا والرحلات العربية لتودع صفحاتها معطيات هائلة عن أوصاف البضائع الواردة من كل بلد والمصدرة منه؛ وهو ما نجد تغطية واسعة له مثلا في كتب: ‘المسالك والممالك‘ لابن خـُرْداذَبَهْ (ت 280هـ/893م)، و‘البلدان‘ لابن الفقيه الهمداني، و‘المسالك والممالك‘ للإصطخري (ت 346هـ/957م)، و‘صورة الأرض‘ لابن حَوْقَل التاجر؛ و‘أحسن التقاسيم‘ للمقدسي البشاري (ت 380هـ/991م).هذا إضافة إلى رحلات كل من السِّيرافي (ت بعد 330هـ/942م) واليهودي بنيامين التُّطَيْلي وابن جُبَيْر الأندلسي (ت 614هـ/1217م) وابن بطوطة، وكل هؤلاء الرحالة مارسوا التجارة عمليا في أثناء رحلاته باستثناء ابن جبير.كما تقدم هذه الكتب معلومات وافرة عن مراكز تبادل البضائع إنتاجا واستهلاكا، وإحصائيات لطيفة لأسعار البضائع فيها؛ فالتاجر الرحالة ابن حَوْقَل يقول إن من أهداف كتابه ‘صورة الأرض‘ أن يعرّف بما في “الإقليم من وجوه الأموال والجبايات والأعشار والخراجات، والمسافات فى الطرقات، وما فيه من المَجالب (= المستورَدات) والتجارات”.ومن أمثلة ذلك عنده أن مدينة جَنّابة جنوبي فارس مركز تصدير للثياب الكتانية الفاخرة، حيث تُصنع بها “طُرُزُ (= أزياء رسمية) الكتان للتجار والسلطان من غيرِ نوعٍ (= علامات تجارية مختلفة)”، وهذا يعني أن استهلاك هذه الملابس كان يتم بالعواصم الكبرى كبغداد ودمشق وربما القاهرة والفسطاط وبلاد المشرق.